الأخبارمقالات

عن الحسانية اتحدث.. معلومات لابد من معرفتها (بقلم: لبيهي اللود)


معلوم ان الحسانية هي اللهجة العامية المحكية في الصحراء الغربية وموريتانيا إضافة الى اماكن من الجوار الجغرافي لهذين البلدين. بيد ان المتلقي قد يجد أحيانا كلمات في الحسانية المحكية في الصحراء الغربية تختلف بعض الشيء عن مثيلاتها، في المعنى، بالنسبة للحسانية المحكية في موريتانيا؛ مثلا كلمة الظرار ( تعدد الزوجات) هكذا نعرفها في الصحراء الغربية؛ بينما اخوتنا في موريتانيا يقولون الظيار. إذن قد يقول قائل أيهما أصح في الحسانية الظرار أم الظيار؟ الجواب ان كلتا الكلمتين صحيحة لكن في وسطها الاجتماعي الحساني دون ان تكون جارية على الألسن في المجتمع الحساني الٱخر؛ وما هذا إلا مثالا بسيطا من بين الكثير من الامثلة التي تتضمن هذا الإختلاف. في هذا الإطار، جمعني الحديث ذات يوم مع مجموعة واتسابية متكونة من صحراويين وموريتانيين؛ تهتم هذه المجموعة بالتراث الحساني البيظاني؛ سألني احدهم ايهما اصح قولا الظرار ام الظيار؟ كان جوابي،له حسب ما أعرف، ان الظرار كلمة يقولها اهل الصحراء الغربية بينما اهل موريتانيا يقولون الظيار؛ في حين ان كلمة الظيار عندنا نحن الصحراويون تقال لحوار الابل عندما تموت امه، يعمد اهل الشأن والاختصاص في مجال تربية الابل -خاصة من أهل البادية_ الى رضاعته ناقتين عندها يقال للحوار “ولد الظير” و يقال للناقتين “مظايرات على لحوار”.
​و لابد من الاشارة الى ان هناك فروقا في الحسانية بين الصحراويين و الموريتانيين على مستوى بعض الكلمات الدخيلة من لغة المستعمر الاسباني والفرنسي على حد سواء ؛ حيث سادت تلك الكلمات واصبحت طاغية في الحديث اليومي بفعل التأثير الاستعماري؛ نجد مثلا كلمة كوتشارة عند الصحراويين و اصلها من الاسبانية Cuchara بمعنى ملعقة؛ بينما اخوتنا في موريتانيا يقولون كويير من الفرنسية Cuillère. كلمة سباط المستعملة في الحسانية عند الصحراويين واصلها من كلمة Zapato الاسبانية و التي تعني الحذاء ؛ بينما تغيب هذه الكلمة في الحسانية عند اخوتنا الموريتانيين ويستعملون مقابلها انعايل على حد سواء للنعايل عندنا و للسباط. كلمة التعنكيت كلمة مستعملة في الحسانية الموريتانية واصلها من كلمة enquête الفرنسية والتي تعني البحث اوالتحقيق من اي مسألة ما.كلمة التعرتي التي تعني العرقلة و التوقف و “اخسارة الهم بااااط” كلمة مستعملة في موريتانيا اصلها من الفعل Arrêter بالفرنسية بمعنى توقف او عرقل؛ بينما يكاد يغيب استعمال هاتين الكلمتين في الحسانية المحكية في الصحراء الغربية لانها تعتمد في مصطلحاتها الدخيلة على كلمات اسبانية مستوردة من الحقبة الاستعمارية وهي كلمات قليلة جدا اذا ما قرنت بالكلمات الفرنسية الدخيلة على الحسانية المحكية في موريتانيا. ضف الى ماسبق من اختلافات و تباينات: اختلاف طفيف على مستوى النطق لبعض الكلمات مثلا كلمة “لغنم” تنطق عند الصحراويين بنطق يختلف عن مثيله في موريتانيا مع ان الكلمة واحدة؛ تصغير اسم مريم يختلف نطقه عند الصحراويين والموريتانيين. وهناك اختلاف قد لا يميزه المتلقي او المستمع الاجنبي المضطلع على الثقافة الحسانية ولا سيما حديثي العهد بها، يكمن هذا الاختلاف في سرعة النطق: إذ نجد الحسانية المحكية في الصحراء الغربية اسرع نطقا من مثيلتها المحكية في موريتانيا على ألسنة أهلها؛ وهذه الخاصية نجدها في اللهجة الشامية عند السوريين واللبنانيين فنجد لهجة اللبنانيين اسرع قليلا من لهجة السوريين مع العلم ان اللهجة واحدة في كلا البلدين.
​وتظل الحسانية في كلا البلدينالصحراء الغربية وموريتانيا بمثابة الحبل السري الذي يتغذى منه الجنين البيظاني والثدي الدافيء الذي يرضع منه ثقافة مجتمه و الماء العذب المعين الذي يرده الظمٱن و ينهل منه جميع البيظان؛ والمرتع المخضر الذي اذا وصله الانسان البيظاني تحلو له الإقامة فيحط الرحال ويضرب خيمته في اي شبر من البلدين فلا يشعر بالغربة و لا يعكر صفو حياته اي مكدر.
و تبقى الحسانية وستظل لهجة واحدة صامدة امام عاتيات الزمن و عواصف العولمة التي تدخل يوميا بين القشرة ولحائها في كل لغة فتغير من هنا و هناك تماشيا مع متطلبات العصر من رقمنة للغات وعصرنتها.
​المحافظة على التراث الحساني_ ولاسيما الحسانية_ مسؤولية تقع على عاتق جميع البيظان شيبا وشبابا حتى لا تموت؛ فمسألة انبعاثها من مرقدها بعد موتها صعبة المنال بحكم سرعة تأقلم اجيال المستقبل في ثقافات الغير.