الأخبارمقالات

الجزائر…نحو نهضة دبلوماسية (بقلم: عالي محمدلمين)

الجزائر…نحو نهضة دبلوماسية (بقلم: عالي محمدلمين)
جمدت الجزائر العمل بإتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة مع مدريد، وأوقفت كل الواردات والصادرات من وإلى إسبانيا، فهل سيكون ذلك مقدمة لإجراءات عقابية أكثر إلاما لمدريد؟، وهل تأتي هذه الخطوة في إطار تحديثات جذرية تشهدها الدبلوماسية الجزائرية؟

رغم أن الجزائر عرفت خارجيا بضبط النفس، وبالإلتزام بأقصى درجات التعامل الدبلوماسي لباقة، متشبثة بالأعراف والبروتوكولات والقوانين المعمول بها، إلى انها أدركت مؤخرا أنها تلتزم وتتعامل وقف منطلقات تجاوزها الزمن والوقائع والتطورات المتسارعة، في ظل إجتياج محددات الدبلوماسية البرغماتية والسياسة الواقعية لطبيعة العلاقات الدولية، وهي المحددات المبنية على المصالح وحتى الضغط والإبتزاز والمقايضة وإستخدام جميع الأوراق لجلب أكثر قدر ممكن من المصالح في أقصر وقت.

وإدراكا لكل تلك التحولات، وعقب الإعلان المفاجئ من رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز عن دعمه لما تسمى “مبادرة الحكم الذاتي” المغربية، لجأت الجزائر إلى التنديد بالقرار وإستدعت سفيرها، وطالبت بتوضيحات حول تأييد حكومة سانتشيز لأجندة المخزن التوسعية وخروجها عن الموقف الإسباني التقليدي “المحايد نسبيا” من النزاع في الصحراء الغربية، فعجزت مدريد عن تقديم التوضيحات اللازمة، وكتحذير صريح، نشرت وسائل إعلام محلية ودولية تصريحات رسمية على أن الجزائر ستعيد مستقبلا النظر في بنود إتفاق تصدير الغاز إلى إسبانيا، إذا أخلت هذه الأخيرة بشروط العقد، خاصة بخصوص رغبة مدريد في إعادة تصدير الغاز الجزائري للمغرب، وكون إسبانبا أعتقدت أن الجزائر لن تذهب بعيدا في معاقبتها ورفضها لقرار سانتشيز الداعم للإحتلال المغربي، ماطلت مدريد وتجاهلت، فلجأت الجزائر لخطوة معتبرة في الأعراف الدبلوماسية، حيث أصدرت الرئاسة الجزائرية يوم أول أمس الأربعاء قرارا جمدت فيه العمل بإتفاقية الصداقة وحسن الحوار الموقعة بين البلدين في 08 أكتوبر 2002، مع منع تمويل عمليات التصدير والإستيراد بإستثناء الغاز إعتبارا من يوم أمس الخميس 09 يونيو 2022.

وهي تكابر، تمني إسبانيا النفس بأن لا تذهب الجزائر بعيدا في غضبها، وتتوقع أن يكون لردود فعلها سقفا محددا، لكن كل المؤشرات والتصريحات والتحركات تؤكد أن الجزائر قد تلجأ لإتخاذ إجراءات عقابية أكثر تشددا ضمن إجراءات مؤلمة لمدريد، إن لم تراجع هذه الأخيرة قرارها، وقد يكون منها، إعادة النظر في بنود تصدير الغاز إعتبارا من خريف هذا العام، خاصة في ظل أزمة الطاقة التي تشهدها أوروبا بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا.

وبالعودة للوراء، فقد عرفت الجزائر في العقدين الأخرين بإنتهاج سياسات خارجية ثابتة، تقوم على الحياد تجاه أغلب القضايا الإقليمية والدولية، والدعوة لإحترام سيادة الدول، مع رفض التدخلات الأجنبية، والإلتزام بالقرارات الدولية والمواثيق الإقليمية والقارية، ومساندة الشعوب المستعمرة، ومساعدة الدول المتعثرة إقتصاديا ودعم اللاجئين، كما فضلت الجزائر الفصل بين الملفات الإقتصادية والسياسية، وعطلت ملفات الضغط، وتجنبت التهديد وأساليب المقايضة في تعاملاتها مع الدول في القضايا والملفات المشتركة.

وبعد إدراك السلطة في الجزائر لضرورة خلق سياسات خارجية أكثر ديناميكية، وإحساسها بالتهديد وأنها مستهدفة في عمقها الجيوإستراتيجي والأمني بفعل إحاطتها بشكل ممنهج بدائرة مغلقة من الأزمات والتوترات، في كل من مالي وليبيا والصحراء الغربية وأخيرا تونس، وعقب إستدعاء المخزن المغربي للتدخل الصهيوني والإماراتي الخليجي للعبث بأمن وإستقرار المنطقة، وإنخراط الإحتلال المغربي في خطوات متعددة الأوجه في مسعى لحسم النزاع في الصحراء الغربية وفق أجندته الإستدمارية، وكذا تنفيذه لإستفزازات تستهدف الأمن القومي الجزائري، ومع إنتخاب عبد المجيد تبون 19ديسمبر 2019 رئيسا للبلاد، وتعهده بإجراءات تصحيحية كبرى نحو الجمهورية الجديدة، أنتهجت الجزائر سياسات خارجية أكثر ديناميكية وتفاعلا، وأصبحت الجزائر في عهده محجا لزعماء العالم وقادته، وممسكي الملفات الخارجية، وأجرى الرئيس الجزائري زيارات رسمية لعديد الدول، منها، ألمانيا، السعودية، تونس، مصر، قطر، الكويت…، وأرسل وزراء خارجيته في جولات مكوكية لمختلف البلدان، وتستعد بلاده لإستقبال القمة العربية، وفي شأن النهضة الدبلوماسية، صرحت الجزائر في بيانات رسمية بأن قضية الصحراء الغربية هي جزء من أمنها القومي، وكلفت مسؤولا رفيعا بمتابعة الملف (عمار بلاني).

هذه التحركات والتحولات الجذرية في التعاطي الخارجي الجزائري مع مختلف الملفات يبدو أنها جاءت نتيجة إدراك عميق بأهمية تحديث العمل الخارجي وتطويره، وتفعيل أدوات القوة والنفوذ والتأثير الدبلوماسية والإقتصادية والأمنية، وبالمحصلة جعل الجزائر أكثر ديناميكية وتفاعلا مع القضايا التي تمس مصالحها الإستراتيجية السياسية والأمنية.

والأكيد، أنه على المدى القريب، قد يترتب عن هذا التحول الجذري في العمل الخارجي الجزائري بعض التوتر في العلاقات مع عديد الدول، التي لم ولن تستسيغ هذا التحول الدبلوماسي الجزائري الإستراتيجي، لكن على المدى المتوسط والبعيد ستفرض الجزائر من الأيام إحترامها وهيبتها وستجبر الجميع على عدم العبث بمصالحها، وسترسل للدول المنضوية تحت حلف التأمر المغربي الإسرائيلي الذي يضم الإمارات وفرنسا رسائل واضحة، مفادها أن الجزائر ستحمي مصالحها بكل السبل والطرق والوسائل، فهي تمتلك في جعبتها العصى والجزرة، وتحوز الحق والقانون والمبادئ لمن أراد، وتمتلك أيضا في المقابل الموارد والأموال والإستثمارات، وتحظى بشبكة وازنة من العلاقات الدولية، ولها حلفاء ثقاة، بل ولها القوة إن لزم الأمر، ولم تعد ذلك البلد الذي يتشبث بالقانون الدولي ويستجدي من الأخرين الإلتزام به في العلاقات الدولية والملفات المشتركة، وهو القانون الذي لا يؤمن به حتى من صنعه، فكل الدول وأولها الدول الغربية تسعى لتحقيق مصالحها بكل الوسائل والسبل حتى الغير مشروعة، فتقوم صباحا بشن الحروب وتدمير الدول ونهبها وتنفيذ الإنقلابات وفرض الحصار والعقوبات، وتقدم الدروس مساءا في إحترام المواثيق الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

10يونيو2022
بقلم: عالي محمدلمين