الأخبار

عيمان العرية(بقلم: د. غالي زبير)

الكتور غالي زبير يكتب :
عيمان العرية

تعتبر عيمان العرية (1929-1939) من أشد الفترات التي عاشها المجتمع الصحراوي صعوبة، فرغم توفر المال، من مواشي وحبوب ونقود آنذاك، فقد ندر القماش، واختفت الملابس بجميع أنواعها من التداول لفترة طويلة نسبيا، مما سبب العرية (العري)، فاضطر الناس إلى لبس الجلود والمنسوجات من الوبر والصوف والشعر الذي تعد منه الخيام الصحراوية التقليدية، رغم خشونته، سترا لعوراتهم.

فماهو سبب هذه الظاهرة الاقتصادية-الاجتماعية التي لم يعرف لها مثيل في ذاكرة المجتمع الصحراوي؟

السبب يعود إلى التطورات الاقتصادية العالمية، التي لم يكن العديد من الصحراويين في الغالب على علم بها آنذاك، ففي نهاية سنة 1929 بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة اقتصادية نادرة ، عرفت تاريخيا باسم “الكساد الكبير”، نتج عنها توقف المصانع والمعامل، وامتد تأثيرها إلى باقي دول العالم، حتى بلغت الأزمة أوجها في الفترة ما بين 1932 و 1934، حيث توقفت التجارة العالمية، وتعطلت حركة الملاحة البحرية الدولية، وفقدت الدول عائداتها من النقل، والشحن، والرسوم الجمركية والضرائب.

وعلى الرغم من أن الصحراويين كانوا مكتفين ذاتيا بمواردهم المحلية في ما يتصل بتوفير الغذاء، إلا أن المجتمع الصحراوي لم يعرف قط نمط إنتاج صناعي للقماش واللباس، لأسباب موضوعية، بل اعتمد دائما على استيراد هذه المنتجات من أسواق البلدان المجاورة قديما، ومن القوة الاستعمارية لاحقا، ولذلك، كان لتوقف التجارة الدولية خلال سنوات الكساد هذه، واختفاء القماش من الأسواق المجاورة، وقعه المباشر والشديد على المجتمع الصحراوي، وهو الوضع الذي تضاعفت صعوباته بسبب دخول إسبانيا في حربها الأهلية، بين الجمهوريين والملكيين التي استمرت لسنوات (1936-1939).

ويبقى الدرس المستخلص من هذه الحادثة التاريخية، أن من يعتمد على الآخرين في ملبسه، وغذائه، وحتى في دوائه وسلاحه، سيبقى مهددا بالجوع والعري، وبالمرض وانعدام الأمن، فماذا أعددنا لمثل هذا الحالة لو عادت ظاهرة الكساد العظيم مرة أخرى في هذا العالم الذي أظهرت أزمات كوفيد، وأوكرانيا وتايوان أنه مفتوح دائما على أسوء الاحتمالات؟