الأخبار

“أطياح أنجيم”…(بقلم: محمد فاضل ولد جدود)

أحداث من الذاكرة
أطياح أنجيم (بقلم: محمد فاضل ولد جدود)

في تاريخ المجتمع الصحراوي ومجتمع البيظان بشكل عام شكلت الوقائع النادرة والشهيرة عناوين لمعرفة وتحديد الزمن والتأريخ للأحداث الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية للمنطقة.
وظلت حوليات المجال الجغرافي توسم بحدث مشهود او واقعة استثنائية ( عام فشت 1904، عام لگليب 1913، عام لمخرصة 1922، عام أذرذير النجوم 1934، عام الفأر 1937، … )، كما كان الشأن بالنسبة لحوليات العرب في العصر الجاهلي ( عام العذر 461 ق م، عام إنهيار سد مأرب 120 ق م، عام وفاة كعب بن لؤي/الجد السابع للرسول الكريم 59 ق م، عام الفيل 57 ق م، … ).
ومن الأحداث التي يمكن ذكرها ضمن الوقائع الشهيرة في المنطقة والتي سارت بها الركبان وتناقلها الرواة، نازلة إنهيار “حاسي أنجيم” بمنطقة “الريش” شرق “بودائرة” في الحدود الصحراوية الموريتانية.
وقعت تلك الحادثة المأساوية صائفة 1948 حسب اتفاق الكثيرين، فبسبب ندرة المناهل في تلك البقعة القاحلة تجمع الكثير من البدو لسقي قطعان الإبل التي وردت المنهل في لهيب الصيف من مسافات بعيدة، وكان البئر حديث عهد بتجديد الحفر لوقوعه في تربة غير صلبة وأعمال (زرفه وطيه ) لا تزال قائمة في ذلك الحين حيث تقاسم الحضور العمل بنظام الوردية، وعلى حين غرة حدث إنهيار عظيم وتهاوت طبقات التربة الهشة المحيطة بفوهة البئر على شكل دائرة بقطر كبير جرفت كل من كان بالقرب منه من بشر وحيوان، وحسب بعض ممن حضروا الواقعة فإن غبار الحادثة الكثيف شوهد عن بعد وجفلت قطعان الإبل الى اماكن نائية كما يحكي بعض الحضور ان أصوات استغاثات بشرية ورغاء الإبل ظل يسمع لساعات طويلة دون ان يجرؤ احد على الاقتراب من الفوهة التي استمرت في الانهيار، ورغم تنادي مجاميع الحضور وقدوم أفراد بعض ( الصنگ ) للنجدة فإن جهود الجميع فشلت في انقاذ من انهارت بهم التربة.
كانت كارثة بكل المعاني لا زال صداها يتردد عبر روايات بعض الناجين، ممن لا زال على قيد الحياة اطال الله اعمارهم.
ورغم شح المعلومات الدقيقة حول الواقعة نتيجة رحيل معظم معاصريها الا ان هناك إجماع على ان الانهيار اودى بحياة ثمانية أشخاص من بينهم أمراة وهناك من قال انهم سبعة، وقد استطعنا الحصول على أسماء خمسة منهم :
-ليلى / الناجم / بوداحة.
-خطرة / البشير / بيبا.
-سلمى / ديدي / البشير.
-السالك / سيد أحمد / سيد الحسين.
-محمد / سيد أحمد / سيد الحسين ( أحميدة ).

ومن المفارقات العجيبة والتي حكاها احد الحاضرين – عليه رحمة الله- ان اعمال إزالة التربة التي سبقت الانهيار شهدت إنتشال ثمانية هياكل عظام بشرية مع الركام المرفوع من القاع.

ولم يسعفنا الحظ في العثور على ذكر لحادثة “أطياح أنجيم” في الشعر الحساني ( مع ترجيح وجوده ) عدا أگلال حديث نسبيا للشاعر المقاتل الزعيم علال :

طيح نسيم عليا ظيم
بعد العراد وهذا عاد
أشد من أطياح أنجيم
أعليا وأمتن من كرواد

رحم الله ضحايا حادثة “حاسي أنجيم” وجميع موتى المسلمين ..
…..
بقلم محمد فاضل ولد جدود