الأخبار

هكذا تم الهجوم على نواقشوط (بقلم:السيد حمدي يحظيه)

هكذا تم الهجوم على نواقشوط
بقلم: السيد حمدي يحظيه

في المقال الماضي تساءلنا عن أول شهيد في عملية نواقشوط الاولى، وجاءتنا المعلومات المؤكدة أن اسمه الكامل هو لمام بريكة الكاسم، وأنه شاب في التاسعة عشر من عمره، فرحمه الله مع كوكبة الشهداء الكُثر. التصحيح الثاني هو حول سلاح ب10، وهو فعلا مدفع ب10، وليس هاون مثلما كتبت أنا، لكن احسن تعليق من احد القراء جاء كما يلي بالحسانية”: هو سلاح ما عرف لو شيء حد كون وزير الدفاع الموريتاني، كيف اش لهي تعرف انت يكانو هاون والل مدفع.” المهم شكرا للجميع.
**
مثلما كتبنا في المقال السابق، جاء الأمر من الولي إلى الفصيلة الرابعة التي يقودها حمادي فراجي (البايفو) بالتحرك، وتم دعمه بالدليل(امنير) والبطل والقائد الميداني سيدي احمد الرقيبي لدور ليرافقه في الرحلة التي ستكون صعبة. بدأ مقاتلو تلك الفصيلة يتحركون بسرعة في الظلام في سباق مع الوقت والتاريخ. على ما أعتقد، كانوا يريدون التوجه تلك الليلة بسرعة الى نواقشوط، وقصفِ القصر على الساعة الثالثة صباحا- ساعة الموت- والعودة بسرعة تحت ستار ما تبقى من الظلام الذي لا ينسحب، عادة، إلا في وقت متأخر في تلك الأرض البعيدة. نزعوا كل الأمتعة وكل الحمولة من السيارات الأربع التي ستحملهم، ولم يتركوا سوى السلاح والقذائف والذخيرة. فحتى الماء والمحروقات لم يحملوا منهما الكافي ووضعوا مكانه الذخيرة. يقول أحد الذين كتبوا تلك الملحمة ” حاولنا إنزال برميل من المحروقات من سيارتي، لكننا لم نستطيع. لحسن الحظ أننا لم نستطيع انزال ذلك البرميل، لأننا لو كنا فعلنا، كنا بقينا في الطريق بدون محروقات أثناء الانسحاب بعد قصف نواقشوط(1). كان تشكيل الدورية كالآتي، مع إمكانية نسيان اسماء بعض المقاتلين الذين كانوا في السيارات: السيارة الأولى يسوقها الديدو، وفيها قائد الفصيلة حمادي فراجي(البايفو)، ومعه الدليل سيدي احمد الرقيبي لدور، ومعهما سلامة مولود رامي صواريخ بازوكا ر ب ج 7، ومحمد الامين لعمر سيدي احمد(2). السيارة الثانية يسوقها محمد مولود محمد سيدي أحمد (تشيروني)، وفيها هاون 60 وراميه هو محمد شكاف، وفيها قاذفة صواريخ ا ر ب ج 7، وراميها هو السالك لفيظل ومعهم المقاتل مسعود(3).
السيارة الثالثة يسوقها احمد موسى، وفيها مدفع ب10، وراميه هو ليمام بريكة الكاسم، ومعهم احمد السباعي ومقاتلين آخرين، اما السيارة الرابعة فهي سيارة رشاش دوشكا، يسوقها محمد اعكيك وراميها هو محمد براهيم ومعهما مقاتلان آخران(4).
الى نواقشوط
بسرعة، توجهت السيارات الاربع نحو نواقشوط، وقد تكون الساعة كانت تشير إلى الثانية عشر ليلا ونصف أو الواحدة والنصف، وكان الهواء نقيا ورائقا في ذلك الفضاء الصحراوي البعيد، وكانت كثبان الرمال ساكنة لا يهمها التاريخ ولا من يصنعه أو يكتبه ولا تهمها كم من الدماء سالت عليها. بدل أن تسلك السيارات الأربع الطريق المُعبد الواصل بين كجوجت نواقشوط، اختارت السير مع الاحراش بجانب الطريق تجنبا للصدام مع أية قوة يمكن أن تأتي من نواقشوط. كانت الطريق التي سلكتها تلك الفصيلة التي تسير في الظلام، بلا أضواء، نحو نواقشوط عذابا وجحيما بسبب وعورتها. أرض من الكثبان من كل الاحجام، وبين الكثبان تنمو الشجيرات الصغيرة المزعجة. كان أعضاء ذلك الكوماندوس يعتقدون أنهم يمكن أن يقطعوا المسافة التي تفصلهم عن نواقشوط- 85كلم انطلاقا من كرارة ام التونسي- في ظرف ساعتين، لكن وعورة الطريق أخرتهم، ولم يصلوا إلى الرابعة والنصف أو الخامسة صباحا. كانت عندهم وصية من قائد الغزوة، الولي، وهي أن ينتظروا الدورية الثانية عند نخيل يوجد على مشارف نواقشوط. أعدوا الشاي، طلعت الشمس ولم تصل الدورية الثانية. يقول حمادي (البايفو)، قائد تلك الفصيلة:” صعدت أنا وسيدي احمد الرقيبي فوق الكثبان نتحرى بالمنظار، لكن لم تظهر الدورية التي كنا ننتظر. كان علينا أن نقصف القصر في واضحة النهار”. دائما حسب قائد الفصيلة، حمادي فراجي(البايفو):” قصف القصر في النهار يبعث أكثر من رسالة سياسية. سيرى الموريتانيون القصف والدخان ويسمعون القذائف في واضحة النهار، وسيقول العالم أن هؤلاء الذين هجموا على عاصمة دولة في النهار يبدو أنهم يتمتعون بثقة زائدة في النفس وأنهم أقوياء(5). من جهة أخرى، الهجوم في النهار على القصر يوحي أنه يمكن أن يكون مناورة. يعتقد الذين تعرضوا للقصف في نواقشوط أن العملية هي مجرد مناورة، وأن المهاجمين قصفوا وانسحبوا لتتبعهم قوة لتقع في كمين في الطريق.
ذلكم هو القصر فاقصفوه
دخلت الدورية الى نواقشوط في واضحة النهار، دون أن تعترض طريقها مقاومة ولا قوة ولا حراسة. توغلت حتى أصبحت في أقرب نقطة من القصر، غير بعيد عن مقر البرلمان. خرجت بعض النسوة تزغرد ظنا ً منهن أن القوة هي قوة موريتانية. حين أصبحت الدورية في أقرب مكان يمكن منه استهداف القصر، قال لهم الدليل سيدي احمد الرقيبي: من هنا يمكن قصفه. سدد البطل ليمام بريكة رامي مدفع ب10، فانطلقت أول قذيفة كالشهاب نحو القصر الرئاسي لتكون أول قذيفة في التاريخ تصيب ذلك المبنى. اطلقوا عليه قذائف هاون 60 وقذائف مدفع ب10. سقطت فيه حوالي 7 قذائف من همدفع ب10، وحوالي 9 من هاون 60. حين بدأ القصف وتعالى الدخان من القصر، ظهرت قوات تتحشد في طريق المطار. توجهوا إليها وامطروها بوابل من القذائف، ووجه نحوها رامي الدوشكا، محمد براهيم، جحيما من الرصاص الحارق فاختفوا. يقول قائد الدورية حمادي فراجي البايفو: “أعطينا أمرا سريعا لسيارة من سياراتنا أن تتوجه الى مبنى الإذاعة غير البعيد عن الشاطئ ويقصفوه.(6) اطلق عليها سلامة مولود سبع قذائف من بازوكا، واطلقت عليها سيارة ب 10 قذيفة(7).
الانسحاب والكمين
بعد أن أفرغ أولئك الابطال اغلبية ذخيرتهم وقذائفهم في القصر الرئاسي الموريتاني والإذاعة، انسحبوا انسحابا منظما، دون أن يتعرضوا لطلقة واحدة أو تعترضهم قوة أو حراسة. من هول الصدمة والمفاجأة اختفى جميع المسلحين في مراكزهم خوفا مما وقع. خرجت سيارات الدورية الأربع بعد تنفيذ المهمة بنجاح وثقة في النفس كأنما هي في استعراض. سارت هذه المرة مع الطريق المعبد الذي يخرج من نواقشوط متجها نحو كجوجت. لكن أقيم لها كمين في الطريق. حين شاهدت تلك الدورية الكمين، خرجت عن الطريق المعبد وناورت متجهة نحو الجنوب، لكن الكمين كان على كامل الطريق. بما أنه لا يوجد طريق آخر يمكن المرور معه، قررت الدورية أن تقتحم، تحت نيران رصاص الرشاشات، القوة الموريتانية الكامنة في الطريق. كانت القوة الموريتانية تتكون من خمس سيارات وشاحنتين لنقل الجنود وصهريج، وتمتلك هاونات ورشاشات كثيفة النيران. حدثت معركة ساخنة أصيب فيها المقاتل احمد موسى سائق سيارة مدفع ب10، فتوقفت السيارة. حاول رامي مدفع ب10، ليمام بريكة، أن يقود السيارة، لكنه أصيب فاستشهد. دارت السيارات الثلاث لإنقاذ الجريح والشهيد، لكن النيران كانت كثيفة. انقذوا المقاتل احمد السباعي ومقاتل آخر من سيارة ب10التي أصيبت. لم يستطيعوا الوصول إلى السيارة المصابة لأن القوة الموريتانية ركزت كل نيرانها على تلك السيارة لأنها هي الانتصار الوحيد الذي حققوه. أثناء مناورتهم أصيب أحد خزاني وقود سيارة المقدمة التي يسوقها الديدو. مع ذلك احرقوا سيارتين للقوة الموريتانية بمن فيها. جُرح منهم ثلاثة جروحا طفيفة هم سيدي احمد الرقيبي أصيب على الذراع، محمد ولد اعكيك سائق الدوشكا، وحمادي قائد الفصيلة أصيب بشظية. واصلت السيارات الثلاث السير مبتعدة وتخطت قوة القافلة التي كانت تنتظرهم بقيادة الولي. غير بعيد عن ميدان ذلك الكمين، ظهر غبار كثيف في السماء، وسمع أولئك المقاتلون المنهكون الذين لم ينم أي منهم منذ يومين، هدير المحركات. اوقفوا سياراتهم الثلاث خلف الكثبان. كان ذلك الغبار هو غبار قوة موريتانية جرارة قادمة من تورين لتقطع الطريق أمام القوة الصحراوية. هي نفس القوة التي اشتبكت مع الناحية الثالثة عند تورين وأسرت بعض افرادها. وراء الكثبان وقفت سيارات الدورية الصحراوية الثلاث تنظر إلى تلك القوة تمر دون أن تشتبك معها. رغم أنها كانت ثلاث سيارات فقط وفيها ثلاثة جرحى إلا أن ركابها المتعبين، القليلي العدد قضوا عدة دقائق ينظرون صامتين متأسفين إلى القوة تمر دون أن يكون في استطاعتهم الاشتباك معها. إنها غنيمة سهلة من الغنائم التي يجب ألا تمر سالمة، لكن نفاذ الذخيرة حال دون مهاجمتها. بعد مرور القوة الموريتانية، واصلت السيارات الثلاث طريقها. بدأ الوقود ينفذ، وبدأت الازرار الحمراء تشتعل محذرة من اقتراب توقف السيارة المصابة. نعود الى قصة برميل البنزين الذي حاولوا انزاله قبل توجههم إلى نواقشوط ولم يستطيعوا. ذلك البرميل هو الذي سينقذهم ويوصلهم إلى المنطقة الآمنة. كانوا يزودون منه خزان سيارة الديدو التي أصيبت. وصلوا بسلام الى منطقة اوشيش بوطلحة وتوقفوا هناك بعد نفاذ الوقود. (يتبع، الحلقة القادمة بعنوان: دورية ثانية لقصف نواقشوط)
………………………………………………………………………..
المراجع:
(1)- محمد مولود محمد سيدي أحمد الملقب ب” تشيروني”، تسجيلات مع الكاتب أيام 15 الى 19 يونيو 2022م
(2)- تسجيلات فيديو بعنوان: الطريق الى نواقشوط، مقابلة مع محمد الامين لعمر سيدي احمد بتاريخ 8/6/2017م
(3) محمد مولود محمد سيدي احمد، المرجع السابق
(4) المرجعان السابقان
(5) تسجيلات مع حمادي فراجي (البايفو)، أيام 29-20 يونيو 2022م
(6) المرجع السابق
(7) محمد الامين لعمر سيدي احمد، المرجع السابق

جريدةالصحراءالحرة