دعى لإستعمال “النووي التكتيكي” …تعرف على وزير الخارجية الأمريكي الأسبق المثير للجدل هينري كيسنجر
الشهيد الحافظ، 02ديسمبر2023، (جريدة الصحراء الحرة)، توفي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذي أدى دورا محوريا في السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحرب الباردة، عن عمر ناهز الـ100 عام، وقد توفي الدبلوماسي السابق الألماني المولود في منزله في ولاية كونيتيكت.
ولم يذكر البيان الذي صدر ليلة الأربعاء عن شركة كيسنجر أسوشيتس، وهي شركة استشارات سياسية أسسها، سبب الوفاة.
وشغل كيسنجر منصب كبير الدبلوماسيين الأمريكيين ومستشار الأمن القومي خلال إدارتي نيكسون وفورد.
وعلى الرغم من تركه منصبه في منتصف السبعينيات، استمرت أجيال من القادة لعقود من الزمن في استشارته.
الفرار من ألمانيا النازية
ولد هاينز ألفريد كيسنجر في عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة في بافاريا في 27 مايو 1923.
وغادرت أسرته فيما بعد هربا من الاضطهاد النازي، لتنضم إلى الجالية اليهودية الألمانية في نيويورك في عام 1938.
والتحق بمدرسة ثانوية ليلية، لأنه كان يعمل في مصنع لأدوات الحلاقة خلال النهار، واعتزم دراسة المحاسبة، لكنه جند في الجيش.
وأصبح مواطنا أمريكيا في عام 1943، واستمر في الخدمة لمدة ثلاث سنوات في الجيش الأمريكي، وبعد ذلك التحق بالاستخبارات.
وكلف بإدارة فريق لمطاردة ضباط الجستابو السابقين وهو شاب في الـ23 من عمره، ومنح سلطة مطلقة لاعتقال واحتجاز المشتبه بهم.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، شرع في دراسة العلوم السياسية في جامعة هارفارد. وبعد حصوله على درجتي البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، تولى تدريس العلاقات الدولية في الجامعة نفسها.
وفي عام 1957 نشر كتابا بعنوان “الحرب النووية والسياسة الخارجية” – قال فيه إنه من الممكن الفوز بحرب نووية محدودة. وادعى، بلغة لا يشوبها الشك، أن الاستخدام “التكتيكي” و”الاستراتيجي” لجيل جديد من الصواريخ الأصغر حجما قد يكون أمرا مقبولا عقليا.
ولفت الكتاب الانتباه. وبدأت مسيرة كيسنجر الطويلة نحو الشهرة والنفوذ، ولا تزال نظرية “الحرب النووية الصغيرة” من النظريات المؤثرة.
وأصبح كيسنجر مساعدا لحاكم نيويورك والمرشح الرئاسي نيلسون روكفلر. وعندما فاز ريتشارد نيكسون بالبيت الأبيض عام 1968، عرض على كيسنجر تولي منصب مستشار الأمن القومي.
مستشار الأمن القومي
في عام 1969 عينه الرئيس نيكسون مستشارا للأمن القومي، وهو المنصب الذي منحه نفوذا هائلا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وشهدت السنوات الثماني التي قضاها مستشارا للأمن القومي ووزيرا للخارجية بين عامي 1969 و1977، إنهاء الولايات المتحدة مشاركتها في حرب فيتنام، وفتح العلاقات مع الصين، ووقف الأعمال العدائية في حرب أكتوبر/تشرين الأول، يوم الغفران عام 1973 في الشرق الأوسط، بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وكان هذا الجهد هو الذي أوجد فكرة الدبلوماسية المكوكية برمتها.
ومع ذلك، تعرض كيسنجر على مر السنين لانتقادات لاذعة من أولئك الذين اتهموه بالتنافس مع الاتحاد السوفييتي بشأن حقوق الإنسان ودعم الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوغستو بينوشيه في تشيلي.
وقد لاحقه الغضب بسبب العديد من سياساته، ومن بينها السياسات المتعلقة بكمبوديا والأرجنتين، حتى وفاته.
لكن كيسنجر لم يكن يبالي بالانتقادات.
وفي عام 1973، حصل على جائزة نوبل للسلام مع لو دوك ثو من فيتنام الشمالية، الذي رفض قبولها.
وأدت الجائزة إلى استقالة اثنين من أعضاء لجنة نوبل.
أصبحت جهود كيسنجر للسلام في الشرق الأوسط تُعرف باسم “الدبلوماسية المكوكية”
وبينما ترك كيسنجر الخدمة الحكومية في عام 1977، استمر مشاركا بالتعليق على الشؤون العامة. وسعى عشرات من رؤساء الولايات المتحدة للحصول على مشورته – من جون إف كينيدي إلى جو بايدن – وكذلك المشرعون في واشنطن.
وكان كيسنجر الأمريكي الوحيد الذي تعامل بشكل مباشر مع كل زعيم صيني من ماو تسي تونغ إلى شي جين بينغ.
كما عمل أيضا في مجالس إدارة العديد من الشركات وكان عضوا أساسيا في منتديات السياسة الخارجية والأمن، بالإضافة إلى تأليفه 21 كتابا.
حياة طويلة نشطة
وحتى بعد أن بلغ المئة من عمره، استمر كيسنجر نشطا في حياته، ومن ذلك زيارة مفاجئة في يوليو/تموز الماضي إلى بكين للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث كرم هناك على الرغم من فتور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
وأثارت الزيارة غضب البيت الأبيض ودفعت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إلى التعبير عن أسفه قائلا “من المؤسف أن يتمكن مواطن عادي” من الوصول إلى القادة الصينيين بينما لم تتمكن الحكومة الأمريكية من ذلك.
وخلال مقابلة مع قناة إيه بي سي في 2022 – وكان في الـ99 – سُئل إن كان سيتراجع عن أي من قراراته.
فقال “كنت أفكر في هذه المشاكل طوال حياتي. إنها هوايتي وكذلك مهنتي. وهكذا كانت التوصيات التي قدمتها هي أفضل ما كنت قادرا عليه في ذلك الوقت.”
وتزوج كيسنجر مرتين، وله ابن وابنة هما إليزابيث وديفيد وخمسة أحفاد.
انقسام الآراء بشأنه
وانقسمت الآراء بشأن هنري كيسنجر، فقد وصف بأنه كان ممارسا ملتزما بالـ”الواقعية” في العلاقات الخارجية، وحصل على جائزة نوبل للسلام، لكنه أُدين بشدة باعتباره مجرم حرب.
وسعى بكل جد، عندما كان مستشارا للأمن القومي، ووزيرا للخارجية في الولايات المتحدة، إلى انتهاج سياسة تؤمن بالانفراج ــ أدت إلى إذابة الجليد في علاقات بلاده مع الاتحاد السوفييتي والصين.
وساعدت دبلوماسيته المكوكية في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عام 1973، وأخرجت مفاوضاته بشأن اتفاقيات باريس للسلام، أمريكا من تورطها في فيتنام.
لكن ما امتدحه به أنصاره من انتهاجه “سياسة واقعية”، أدانه به منتقدوه ووصفوه بأنه غير أخلاقي.
ويقول مؤيدو كيسنجر إنه أدى دورا مهما في العلاقات الأمريكية في فترة رئاسة الرئيسين نيكسون وفورد في أوج الحرب الباردة. كما أشاروا إلى أنه كان الوسيط في إنهاء العداء مع الاتحاد السوفيتي، ومهد لزيارة نيكسون التاريخية للصين، وأنه تصدى لانتشار “الخطر الشيوعي” في أمريكا اللاتينية.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط يلخص كيسنجر موقفه بالقول “إن كل حرب في الشرق الأوسط تصبح أزمة عالمية وحرمان العرب من حقوقهم يجعل السوفييت مصدر تهديد”.
وإذا كان هناك من يشيد بجهوده من أجل السلام في الشرق الأوسط فإن منتقديه يرون أنه كان وراء القصف الجوي الامريكي المركز لكمبوديا، الدولة المحايدة، أثناء الحرب في فيتنام، كما دعم التوجهات القمعية لحكومات باكستان، واليونان، وأندونيسيا، وتشيلي آنذاك.
وفي عام 2015 قال كيسنجر لشبكة سي إن إن الإخبارية: إنه “يتعين على الولايات المتحدة أن تفترض أن إيران منخرطة بشكل نشط بالإعداد لإنتاج أسلحة نووية” وهو العام الذي تم فيه إبرام الاتفاق النووي بين ايران من جهة ومجموعة خمسة زائد واحد.