قراءة في دوافع الموقف الإسباني الجديد(بلة لحبيب بريكة)
توحي المعطيات المتوفرة قبيل إعلان إسبانيا عن موقفها المفاجئ بإعترافها بالحكم الذاتي المغربي الذي تبنته كأساس “الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لحل قضية الصحراء الغربية، أنه لم يكن، على الأرجح، هذا توجهها . تحركات إسبانيا سواءً من خلال لقاء وزير الخارجية الاسباني خوسي ألباريس مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن منذ أسابيع، ولقاء رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانتشيز مع الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي في قمة الإتحاد الأوروبي و الإتحاد الافريقي، والاتصال الهاتفي الذي اجراه سانتشيز مطلع شهر مارس مع الرئيس الجزئري تبون، وزيارة نائبة وزير الخارجية الأمريكية إلى مدريد، ولقاء سانتشيز مع الرئيس الموريتاني تظهر أن إسبانيا إن لم تكن تنوع أساليبها لممارسة بعض الضغط على المغرب لعودة العلاقات بينهما، على الأقل، ليس للتنازل عن موقفها بشأن قضية الصحراء الغربية. ما سبب هذا التحول المفاجي في الموقف الإسباني؟الجواب: يبدو أن المغرب أوقع الحكومة الإسبانية في فخ. من الراجح أنه في الإتصالات المنتظمة بين وزير الخارجية الإسباني خوسي ألباريس ونظيره المغربي ناصر بوريطة، تم الإتفاق أن تبعث مدريد برسالة إلى العاهل المغربي، تبقى قيد السرية، تعرب له فيها عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، وأن ذلك سيكون كافي لطي الأزمة بين البلدين، على أن تقوم إسبانيا ببذل قصارى جهدها للدفاع عنه، و الاقناع بوجاهته على كل المستويات الدولية.المغرب، الذي يعيش أزمات داخلية وخارجية متعددة، أهمها قضية الصحراء الغربية، أصبح في حاجة ماسة إلى تجاوزها مع إسبانيا. ولذلك، الرباط لم تلتزم بتعهدها لمدريد، و أخرجت الرسالة إلى العلن، مما أوقع الحكومة الإسبانية في ورطة داخلية، وأزمة مع الصحراويين، و الجزائر، وكذا إلحاق الضرر بسمعتها دوليا.لنلقي نظرة على المعطيات التالية:يوم 18 مارس صدر بيان عن الديوان الملكي على الساعة 16:00 يؤكد تسلمه رسالة من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز يعرب له فيها عن دعمه لمبادرة الحكم الذاتي “كأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” حول قضية الصحراء الغربية. تلى ذلك بيان من وزارة الخارجية المغربية، ثمن فيه موقف إسبانيا وإلتزامها بقضية ما أسمته الصحراء “المغربية”.صحفي إسباني من موقع El Independiente يقول إنه إتصل بالخارجية الإسبانية على الساعة 16:50 حول الرسالة المغربية، وردت عليه أنها تحضر ردا، و أنه ”ربما سيصدر عنا شيئا هذا المساء “ كما أبلغته أن رئاسة الحكومة La Moncloa بصدد إعداد رد . في الساعة 17:00 من نفس اليوم، يقول الصحفي أنه إتصل برئاسة الحكومة La Moncloa، حول رسالة الديوان الملكي وتبين له أنها فاجئتها.في الساعة 18:04 يأتي رد La Moncloa ، ينقل ما ورد في البيانين المغربيين، ويشيد بفتح صفحة جديدة في العلاقة مع المغرب، لكن لم يرد في الفقرات الثلاثة الواردة في البيان ذكر الحكم الذاتي ولا قضية الصحراء الغربية.سؤال: إذا كان هناك تغير في الموقف الإسباني بشأن دعم الحكم الذاتي، وحصل إتفاق بين الطرفين، لماذا لا يرد ذلك في بيان الرئاسة الإسبانية؟ يبدو من بيان الرئاسة الإسبانية La Moncloa ، عند اشارتها إلى البيانين المغربيين، وقلولها Manifiesta أي نوضح أو نبين مايلي، أنها مترددة في نقل كل ما ورد في البيانين، لكنها في نفس الوقت تغتنم الفرصة للإشادة بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب.بيان الرئاسة الإسبانية لم ينفي ما ورد في البيانيين المغربيين بشأن الصحراء الغربية أو يؤكده. السبب في ذلك أن نفي الخبر قد يدفع المغرب إلى نشر رسالة بيدرو سانتشيز الكاملة موقعة والتي يخالف مضمونها سياسة إسبانيا الخارجية و ما تقوله علنا بشأن الصحراء الغربية.الآن، السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد قراءة بيان الرئاسة الإسبانية هو، هل إسبانيا تدعم الحكم الذاتي المغربي ”الأكثرجدية وواقعية ومصداقية لحل نزاع الصحراء الغربية“ كما ورد في البيان المغربي أم لا ؟ الغموض الذي خلفه بيان La Moncloa ، دفع بوزير الخارجية الاسباني خوسي ألباريس لإستدعاء الصحافة و تنشيط ندوة صحفية على الساعة 19:00 بمقر الحكومة بمقاطعة كطلونيا التي كان يتواجد فيها، ليأكد موقف إسبانيا الجديد وما ورد في البيانيين المغربيين بشأن دعم مدريد للحكم الذاتي.ثمة حالة من الارتباك في الموقف الإسباني الذي تفاجأ بنشر الرسالة، و يتبين أنه لم يكن هناك إتفاق مسبق بين المغرب وإسبانيا على التعبير عن هذا الموقف علنا. لو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك حاجة من إسبانيا الى إصدار بيان غامض، ثم يخرج الوزير ألباريس يوضحه بعد ذلك. ولما انتظرت إسبانيا حتى صدور بيانين من المغرب لتعرب عن موقفها، وكأن خارجيتها تابعة لخارجية المغرب.المتعارف عليه دبلماسيا في هذا النوع من الحالات أن ينشر بيان يكون الطرفين قد اتفقا على محتواه.نشر الرباط لرسالة سانتشيز الموجهة إلى ملك المغرب أوقعت مدريد في ورطة كبيرة، حيث أن نفيها قد يقابله نشرها من طرف المغرب، ولذلك جعلت إسبانيا من الطيحة ترصيفة، و تبنت كل ما صدر عن المغرب بشأنها.طي أزمة مع المغرب وفتح أخرى مع الصحراويين والاحزاب الاسبانية و الجزائر ندد الطرف الصحراوي بالموقف الإسباني على لسان الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي واصفا إياه بالمؤسف و المخجل و ألا قانوني و الغير أخلاقي و انتهاك صارخ للشرعية الدولية. كما استدعت الجزائر سفيرها في مدريد على الفور على خلفية تغير موقفها المفاجئ من الصحراء الغربية. وما يؤكد الارتباك الحاصل في دوائر الحكومة الإسبانية، تصريحها أنها اطلعت الجزائر على تغيير موقفها، لتنفي الأمر بعد ذلك. تبني مواقف من هذا القبيل تتطلب مشاورات على أعلى مستوى. وكان جدير بإسبانيا أن تبعث وفدا إلى الجزائر، نظرا لأهمية هذا البلد بالنسبة لها، و التي تعتبره شريك إستراتيجي موثوق به، لمناقشة الموضوع معها. مع أنه من الصعب أن يتم تفهم الإبلاغ عن إتخاذ موقف يتناقض تماما مع الشرعية الدولية.في الحقيقة إسبانيا كانت تريد أن تلعب على الحبلين مع المغرب؛ موقف سري لمحمد السادس يتمثل في دعم ما يسمى بالحكم الذاتي، والتعهد بالدفاع في المحافل الدولية، وموقف علني يظهر أنه يدعم مسار الأمم المتحدة.المغرب لا يخدمه موقف سري، خاصة في هذه الظروف، ولا بد له من إحراز ”مكسب“، حتى ولو كان بخداع إسبانيا.بلة لحبيب أبريكة