الأخبارمقالات

الشهيد محمد عبد العزيز وآخر اجتماع لمكتب الامانة (بقلم: ابراهيم أحمد محمود)

في شهادة مؤثرة ، ابراهيم احمد محمود ( كريكاو)
الشهيد محمد عبد العزيز وآخر اجتماع لمكتب الامانة
جدول أعماله وخاتمته
كان الشهيد محمد عبد العزيز وهو المؤمن بقضاء الله وقدره على علم
بخطورة حالته الصحية، وقد أبلغه الأطباء بأن الداء الخطير بلغ
مستوى نهائي ، ثلاثة أحداث أصر على حضورها والاشراف عليها:
-الاحتفالات المخلدة لميلاد الجمهورية، بولاية الداخلة.
-زيارة بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة.
-عقد اجتماع طارئ للمكتب الدائم للأمانة.
مباشرة بعد زيارة بان كي مون، التي كانت من04 الى غاية08 مارس2016، تم استدعاء المكتب الدائم للأمانة لاجتماع طارئ، كان ذلك في منتصف الشهر .
افتتح الاجتماع من طرف الشهيد محمد عبد العزيز الذي اقترح جدول
الاعمال التالي:
-الوضعية العامة والمواقف الضروري اتخاذها.
-تقييم زيارة بان كي مون وآفاق العمل في ضوئها.
-تقرير عن الحالة الصحية للأمين العام للجبهة ( وللأمانة فقد
كانت هذه هي بالضبط كلماته )
كان التقرير عن الحالة الصحية للأمين العام للجبهة صريحا وشفافا
جدا، أين خيم على اثره الصمت والحزن الشديدين-محمد الامين البوهالي
بكى من شدة التأثر واختتم الشهيد محمد عبد العزيز الجلسة بخلاصة هذا نصها:
بإيجاز هذا هو الوضع، بمكاسبه العظيمة وتحدياته، أنتم القيادة وهذا
مصير شعب ومسؤولية خطيرة والأمر شورى بينكم، ما العمل؟
يجب اتخاذ الموقف الضروري، لا تترددوا في ذلك.
وفي جو زاخر بروح المسؤولية وعاطفة الرفاق كان جواب الأخوة
في المكتب الدائم للأمانة ” لقد بذلت ما في وسعك من جهد وقدمت
المثال الرائع في التضحية والصبر….، الآن خذ وقتا للعلاج، فرصة
أخرى والأعمار بيد الله”.
شَكر الشهيد محمد عبد العزيز موقف المكتب الدائم مشيرا من جديد
الى:
-لا تترددوا في اتخاذ أي موقف تمليه الأوضاع وتطوراتها.
-في حالة الضرورة القصوى للاتصال معي يتم ذلك من خلال
امحمد خداد.
-المناوبة على مستوى الرئاسة يباشرها الوزير الأول عبد القادر
الطالب عمر، ثم اختتم الاجتماع بتلاوة الفاتحة والترحم على
أرواح الشهداء.
-استشهد الشهيد محمد عبد العزيز يوم31/05/2016
-عقد المؤتمر الاستثنائي يومي07/08/2016 بولاية الداخلة،
وأنتخب ابراهيم غالي أمينا عاما للجبهة ورئيس الجمهورية.
تنويه:
ونحن نخلد الذكرى السابعة لرحيل الشهيد محمد عبد العزيز، ليس من المهم أن نخلد الحدث بطقوس ومراسيم ومعارض ، بل المهم هو استخلاص الدروس والعبر والاستفادة منها، والاقتداء بالقيم والخصال النبيلة ، التي تحلى بها الشهيد محمد عبد العزيز .
محمد عبد العزيز … تجربة تعلو برصيدها فوق كل الحسابات
محمد عبد العزيز مقاتل ورجل ميداني عملي برغماتي، رزين ، متشبع بقيم وتقاليد المجتمع، قائد بإحساس انساني رفيع وهبه الله ملكة الصبر والكياسة وقوة الذاكرة.
أنتخب ولم يكن عضوا في اللجنة التنفيذية آنذاك ،لخلافة الشهيد الولي مصطفى السيد ،القائد المؤسس الملهم، المحرك والقاطرة بديناميكيته و رؤيته النافذة الذي أمّن لشعبنا عبور مراحل التأسيس الوعرة والنجاة بعد ذلك من كماشة التقسيم والغزو الوحشي وحرب الابادة.
أنتخب محمد عبد العزيز، وهو القادم من الخطوط الأمامية الساخنة، في ظروف معقدة جدا واستثنائية جدا، ليجد نفسه أمام امتحان عسير متمثلا في أن عليه تأكيد ذاته وانتزاع الجدارة بقوة الفعل الميداني، فضلا عن ما منحته صناديق الاقتراع من شرعية وثقة، والفرق شاسع.
قدر له أن يكون خلفا لقائد من عيار الشهيد الولي، و رغم وقع الفاجعة وتأثيرات الصدمة ومفاجأة الحدث، بدا واثقا بنفسه، ثقة مستمدة من المؤتمر الشعبي العام الذي انتخبه بإجماع ومبعثها أن الخيار وقع عليه ليكون القائد الوريث Heredero للمؤسس والمؤتمن لمواصلة المسيرة. مسؤولية جسيمة.
أظن أن تلك المقولة التاريخية التي اختار الشهيد الولي مفرداتها بعناية فائقة كانت ماثلة في ذهن محمد عبد العزيز” بسم الله وبعون من الله ووفاء لتضحيات شعبنا…” اعتمدها حاسما وِجهته ،جاعلا من جبهات القتال أولويته والحقل الذي منه وفيه يؤكد ذاته ويرفع التحدي. وقد كان موفقا في خياره خاصة وأن الارث الذي ترك له الشهيد الولي ثريا وغنيا: الأسس والمحددات الفلسفية، السياسية، التنظيمية وحتى تلك المتعلقة بالحرب والقاطرة وضعت على السكة وانطلقت.
واذا كان عنوان المرحلة هو هجمة الشهيد الولي فإن الفكرة ، تعني الانتقال من مرحلة الدفاع الايجابي الى مرحلة الهجوم، وتعني نقلة نوعية ومفصلية في الحرب: توسيع رقعتها ونقلها الى عقر دار العدو، ذلكم هو ما كرس له محمد عبد العزيز جهده ووقته للارتقاء بالجيش من حيث الهيكلة والانتشار والتسليح والتكوين والابداع في الخطط والتأقلم والتكيف مع التطورات الميدانية المتلاحقة والمتسارعة وما تستوجبه من حكمة وذكاء واقتصاد في القوى والوسائل ( خاصة البشري منها) في وجه عدو مدعوم من الحلف الأطلسي وممول من دول البترودولار ومعتمد على خبرة وتجارب الكيان الصهيوني.
ويسجل لمحمد عبد العزيز مرافقته واشرافه الميداني خلال كل مراحل التحضير بما فيها الاستطلاع وأثناء التنفيذ وساعات التقييم وعند استخلاص التجارب وابراز الانقاص وصولا الى التعويض والاستكمال وفورا و بالتشاور المألوف عنده ” سُنة حميدة ” يتم انتقاء الهدف اللاحق ويشرع في سلسلة الخطوات العملية لبلوغه.
وماهي الا سنوات قليلة حتى ارتقى الجيش الى أعلى درجات الاستعداد القتالي والفعالية الميدانية مجسدا كل ذلك في روائع وبطولات ومآثر خارقة للعادة: بدءا بهجمة الشهيد الولي مرورا بهجمة الرئيس الراحل هواري بومدين ثم هجمة المغرب العربي الكبير وصولا الى التجربة الفريدة-حرب الاستنزاف- وهي في مجملها مسيرة خالدة أقبرت والى الأبد عوامل تفوق العدو القتالية والسيكولوجية وانتزع عبرها جيش التحرير الشعبي الصحراوي
عناصر التفوق وأوراق الحسم.
وفي سياق متصل بالحضور والمشاركة الميدانية كان محمد عبد العزيز مشاركا باستمرار في مختلف الحملات الشعبية كغيره من المناضلين بما فيها حملات النظافة بكل تواضع ونكران الذات.
فمن منا لا يتذكر حضوره كل يوم خميس لحملات النظافة رغم حالته
الصحية المتدهورة.
يُشهد لمحمد عبد العزيز الرفق بالضعيف وصلة الرحم وزياراته المتواصلة لكبار السن وللشيوخ والجرحى والمرضى ولمراكز الوقاية والامراض العقلية وغيرها، مجسدا بذلك أعلى درجات الحس الانساني الذي يشّرف القادة في نظر المجتمع ويرفع درجاتهم.
دأب محمد عبد العزيز على التواصل كل ما أتيحت له فرصة مع شخصيات وطنية: مجاهدين، مقاومين، شيوخ، ونشطاء سياسيين من المدن المحتلة ونَهل واستفاد مِن مَا تختزنه ذاكرة كل واحد منهم من معلومات عن التاريخ والجغرافيا والمجتمع وغيرها وأخذ من عندهم المشورة والرأي والنصح الناضج.
وكان محمد عبد العزيز يقدّر حال جماهير شعبنا في اللجوء ووقع تأثيرات العوز وقساوة الطبيعة وتداعيات الفرقة والشتات الأسري ومعاناة الأهالي في المناطق المحتلة، يؤلمه ذلك كثيرا، مما جعله يبحث ويشجع كل السياسات والمبادرات التي من شأنها تشجيع المساهمة وزرع الثقة في النصر وتحسين ظروف المعيشة والتخفيف من وطأة وقساوة العوامل الاخرى.
متحليا بنظرة بعيدة الأمد، وبحكم أن الحرب حرب أجيال، طويلة الأمد، تُحسم لصالح من يمتلك الجبهة الداخلية المتماسكة والطرف الذي استثمر الوقت لبناء قوته.
كان رحمه الله يولي اهتماما خاصا لنمو مقدرات المجتمع و بالتكوين واكتساب العلم والمعرفة في كل وجميع مجالات الحياة:
عسكرية، مدنية…..
وبموازاة مع تعزيز عوامل الصمود جعل من الجبهات التالية أولوية وخصها بالجهد والامكانيات المتاحة: المناطق المحتلة، المناطق المحررة، حقوق الانسان، الثروات الطبيعية والاعلام.
واعتبرها أوراق ضغط وفرص متاحة في انتظار أن تتوفر شروط النقلة النوعية المرتقبة من جديد.
كان محمد عبد العزيز شديد الحرص على حماية وترسيخ وصيانة الوحدة الوطنية ،واتخذ في هذا المجال مبادرات شجاعة في مجال حقوق الانسان وأخرى اتجاه الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم من طرف العدو، كما استثمر عمليات تحديد الهوية وتبادل الزيارات لمد جسور التواصل، فضلا عن اهتمامه الدائم بالجاليات بالخارج والدول المجاورة وعيا منه بأهميتها السياسية والاعلامية وباعتبارها رافدا ودعامة للجبهة في كل المراحل.
تمكن محمد عبد العزيز بفضل خبرته وحكمته من احتواء وتجاوز ّ جل الخلافات الداخلية عبر التشاور والحوار ومعالجة مسبباتها أي كان نوعها، وكان موفق في ما اتخذ من تدابير ومواقف لاستعادة ثقة واسترجاع أطر وشخصيات، لم يكن يحبذ أساليب التهميش أو الاقصاء أو أي شكل من أشكال الاكراه والتعسف، ولم يكن يزعجه أو يحرجه تعدد المرشحين للمهام القيادية في أي من هيئات الجبهة أو مؤسساتها أو منظماتها الجماهيرية، شرطه الأساسي أن يكون ذلك
في اطار هيئة وطنية وتنظيمية.
و لم تكن العقود التي قاد خلالها محمد عبد العزيز مسيرة شعبنا خالية من الاخفاقات والانقاص والعثرات، فالكمال لله ولله وحده، الا أنه كان يحسن الإصغاء ويستمع باهتمام وعناية ورحابة صدر ويأخذ على محمل الجد النقد وما ينقل له من أخطاء وأنقاص ومناحي ضعف
وتظلمات ويعالجها قدر المستطاع.
المجد والخلود للشهداء
والنصر حليف شعبنا بإذن الله
ابراهيم محمد محمود ( اكريكاو)