الإسبان حائرون في كيفية إدارة خلافاتهم مع الجزائر (بقلم: مسلم محمد)
تتفاعل قضية العقوبات الجزائرية المفروضة على إسبانيا بشكل متسارع، بالإعلان عن ميلاد “جمعية شركات الأزمات مع الجزائر”، وهو المولود الذي يريده مؤسسوه واجهة من أجل الضغط على حكومة بيدرو سانشيز لتسوية وضعيتها بعد تكبدها خسائر تقدر بمئات الملايين من اليوروهات.
وتطالب الشركات الإسبانية المتضررة من العقوبات الجزائرية بتعويضات مالية من الحكومة، بعدما فشلت هذه الأخيرة في تجاوز الأزمة التي تسببت فيها، بقرار مدريد التخلي عن حيادها التاريخي بخصوص القضية الصحراوية، والتوجه نحو دعم مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه نظام المخزن المغربي في العام 2007، والذي لا تعترف به الأمم المتحدة والغالبية الساحقة من دول العالم.
ولم تصل الشركات الإسبانية المتضررة من الأزمة بين الجزائر ومدريد، إلى هذه المرحلة من التصعيد مع حكومة سانشيز، إلا بعد أن فشلت كل محاولات إنقاذ الوضع، واحتراق الورقة الأخيرة التي لعبها الطرف الإسباني، والمتمثلة في إقحام الاتحاد الأوروبي في الأزمة، وذلك عبر دفعه للضغط على الجزائر، وهي المحاولة التي تصدت لها السلطات الجزائرية بصرامة.
وقد حاولت حكومة سانتشيز في البداية التواصل مع المفوضية الأوروبية، بغرض إطلاق خطة مساعدة للشركات المتضررة من العقوبات الجزائرية، غير أن تلك المحاولة لم تؤت أكلها، وهو ما كان وراء قرار المتعاملين الإسبان الذين ضاقوا ذرعا من أخطاء الحكومة، اللجوء إلى تفعيل ورقة التصعيد كخيار لا مناص منه لاسترداد حقوقهم.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن إسبانيا كانت في العام 2021 ثاني أكبر زبون للجزائر في العالم بعد إيطاليا، غير أن الأزمة التي تسبب فيها حكومة سانشيز، أدت إلى نزيف كبير بين الشركات الإسبانية التي كانت تتعامل مع السوق الجزائرية، ما تسبب في خسائر بأكثر من 800 مليون يورو حسب الأرقام الأولية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة الجزائرية الإسبانية، موزعة بين ما يناهز الـ600 مؤسسة، أكثر من مائة منها متواجدة على التراب الجزائري، وفق تقارير إعلامية إسبانية.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن الشركات الإسبانية المعنية بالسوق الجزائرية متخوفة من الضياع النهائي لفضاء مربح عملت فيه لسنوات طويلة، لصالح الشركات الإيطالية والفرنسية، التي عرفت كيف تستغل الوضع الجديد، وتطرح منتجاتها كبدائل، وخاصة ما تعلق بقطع الغيار وصناعة الخزف والورق والكرتون والزيوت والآلات والأجهزة الميكانيكية والبلاستيك.
ولم تقتصر مخاوف الإسبان من ضياع السوق الجزائرية، بل توسعت المخاوف لتشمل الشركات التي تنجز مشاريع مربحة في الجزائر مثل “ناتورجي” و”ريبسول” و”إيبردرولا” و”سيبسا”، الناشطة في قطاع الطاقة، فضلا عن كل من “إندرا” و”تكنيكاس رونيداس” التي توجد في نزاع مع سوناطراك بسبب خلل في إنجاز مصفاة لتكرير النفط، وشركة “ساسير” و”أكسيونا” التي تعكف على تشغيل ثلاث محطات لتحلية المياه، بالإضافة إلى شركات أخرى كثيرة يصعب ذكرها.
وكان جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، قد زار الجزائر الشهر المنصرم، ورافع بلطف من أجل دفع عجلة تطبيع العلاقات الجزائرية الإسبانية، ومن ثم عودة تدفق السلع الإسبانية إلى الجزائر، غير أن الطرف الجزائري لم يقدم أي ضمانات للمسؤول الأوروبي، ما دامت الحكومة الإسبانية على موقفها الذي تسبب في الأزمة الراهنة مع الجزائر.
ويوعز متابعون عدم تحمس الاتحاد الأوروبي للتدخل في الصراع الجزائري الإسباني، إلى التوجس من قرار راديكالي جزائري بالحد من علاقاتها مع بروكسل إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل وجود خيارات متعددة توفر لها أفضل بكثير ما تجنيه من اتفاق الشراكة الموقع بين الطرفين والذي دخل حيز التنفيذ في 2005، على غرار مجموعة “بريكس”، التي تعتبر المحيط الطبيعي لدولة مثل الجزائر.
النصدر: الشروق الجزائرية