الأخبار

الرهانات الإستراتيجية المغربية في زمن التحولات العالمية الكبرى (بقلم: أمحمد البخاري)

بدأ المغرب حربه التوسعية فى الصحراء الغربية سنة 1975 راكبا موجة العداء الغربي لحركات التحرر وثوراتها المسلحة منذ خمسينيات القرن الماضى وفي جو يطبعه اصطفاف عالمي تابع لأحد المعسكرين.

كان قرار الحسن الثانى يهدف بالأساس إلى ابعاد الجيش المغربي عن دفة الحكم بعد محاولات إنقلاب كادت أن تعصف بحكم العلويين، بالإضافة إلى الاستحواذ على أرض شاسعة وغنية ذات تركيبة ديموغرافية صغيرة (الدورادو El Dorado). إلا أنه تراجع عن مشروعه عندما ثبت أن استمرار الحرب سيؤدي حتما إلى نفس النتيجة وبفاتورة لا يمكن التوقع بنتائجها الكارثية على المغرب وعلى عرشه المهتز فى آن واحد.

إلا أن تراجع محمد السادس عن الحسابات والاستنتاجات التي توصل لها والده بعد 16 سنة من الحرب الميدانية والقمع بأسلوب الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى المواجهات على الصعيد الدبلوماسي، أدت اليوم إلى ما كان الحسن الثاني يخشاه ويسميه ب”السكتة القلبية”؛ وكان من جملة العوامل التي دفعته إلى إقرار خيار السلام المبني على تطبيق قرارات الشرعية الدولية والذي جسده مخطط التسوية لسنة 1991.

لم تغب عن الحسن الثاني يوما تبعية النظام العلوي لفرنسا منذ بداية عهد الوصاية وولاية الجنرال ليوطى Lyautey، المؤسس الفعلي للسلطنة التي تحولت أخيرا إلى مملكة، حيث كان يعرف، حق المعرفة، حدود التعامل مع دول الغرب عبر البوابة الفرنسية حتى في علاقاته مع الولايات المتحدة الامريكية وف إرتباطاته مع إسرائيل دون تجاوز الخطوط الحمراء التي تفصل بين مصالح القوى الحليفة ضمن منظمة حلف الشمال الاطلسي.

كما عرف الحسن الثاني، بالرغم من التبعية الهيكلية التامة لباريس، كيف يستغل انتماءه الإنتهازى إلى نادي دول عدم الإنحياز لبناء جسور مع قطبي المعسكر الشرقى في موسكو وبكين.

إن دخول محمد السادس وفريقه الحاكم في المقايضة الترامبية يشكل تحولا إستراتيجيا في التحالفات، أو بالأحرى في تبعية النظام العلوي مباشرة للمركز (واشنطن) بدل التوقف في المحطة الإجبارية (باريس) للحصول على الضوء الأخضر.

الدافع الرئيسي لهذا الإنتقال النوعي داخل نفس الصنف (الغرب) يعود مرده إلى الإحساس العميق والقناعة الملطفة بأن الدعم والحماية اللذين توفرهما باريس لم يعودا كافيين نتيجة لإفلاس المشروع التوسعي وفشل المغامرة في الصحراء الغربية التي أدت بمحمد السادس وفريقه الحاكم في المغرب إلى التوجه نهائيا إلى واشنطن عبر بوابة تل أبيب.

لاشك أن الخطوة كبيرة وتنطوي على مخاطر عظيمة وهي وحدها تفسر ما آلت إليه الأوضاع في المغرب جراء مواصلة العدوان على شعب الجمهورية الصحراوية المجاور في خرق سافر لمواثيق وقرارات المحاكم والمنظمات الدولية والإقليمية.

الرهانات الإستراتيجية المغربية الجديدة واضحة إلا أنها، بالتأكيد، لن تكون أفضل من صيغة التموقع السابق للرباط على الصعيدين الداخلي والخارجي و ذلك لعدة عوامل منها:

1- أن الإستمرار في عرقلة مسار تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية لم يعد مجديا ولا ممكنا، كما أن التعنت في التمسك بالمقترح المغربي لن يأتى بالنتيجة المرجوة.

قرار فريق محمد السادس ينطلق من أنه ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الكلمة الأخيرة على مستوى مجلس الأمن والتي تتولى الصياغة النهائية، فلماذا لا يتم اختصار الطريق بالذهاب المباشر إلى واشنطن للإستفادة من قوة تأثير مجموعات الضغط التابعة لإسرائيل بهدف الحصول على أكثر الأوضاع أريحية فيما يتعلق بالنزاع الدائر مع ما يسميه المغرب ب”أعداء الوحدة الترابية” فى انتظار تجميع الأوراق لفرض تشريع الإحتلال وحسم المعركة نهائيا لصالحه؟

2- إن المعطيات التي بنت الرباط عليها نظرتها ومفاهيمها المحددة لاستراتيجيتها الجديدة مبنية على أخطاء قاتلة وحسابات مغلوطة نتيجة لتناقضها مع المصالح الكبرى والسياسات المؤطرة لها فى كل من واشنطن وتل أبيب.

3- قرار فريق محمد السادس، من جهة ثانية، الهروب إلى واشنطن عبر تل أبيب يكمن كذلك فى عملية إستباق للتقليل من التأثيرات الكارثية لحكم محكمة العدل الاوروبية الذي سيلغى، قريبا ونهائيا، وبدون شك، الاتفاقيات الظالمة الموقعة مع الإتحاد الأوروبي والتي تشمل الصحراء الغربية وثرواتها، وهو ما سيشكل نكسة كبيرة في الساحة السياسية الأساسية بالنسبة للرباط التي لم تعد قادرة على إخفاء نرفزتها نتيجة لسقوط الورقة الأوروبية من يديها، وهي التي كانت تخفي ما يزيد على أربعة عقود من العدوان والظلم والقمع الممنهج ضد الشعب الصحراوي مقابل الرشوة والفساد.

4- قرارات محكمة ليكسمبورغ وفضائح رشاوي البرلمان الأوروبي وقضية “بيغاسوس”، بالإضافة إلى ملفات الهجرة والمخدرات والتورط فى الإرهاب، نسفت كل الجسور بين الرباط والإتحاد الأوروبي الذي لن يعد بمقدوره مواصلة لعبة المحابات والتواطؤ التي تتزعمها باريس ومدريد.

وختاما لكل ما سبق نؤكد أن الرهانات المغربية الجديدة خيارات محكوم عليها بالفشل نتيجة للأسباب التالية:

1- استحالة القضاء على ارادة الشعب الصحراوي وإجماعه على مواصلة القتال حتى طرد الإحتلال، مهما جلب المغرب من تكنولوجيا وأدوات جديدة.

2- استحالة اعتراف المجتمع الدولي للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.

3- استحالة أي حل لا يمكن الشعب الصحراوي من ممارسة حقوقه الثابتة في تقرير المصير والاستقلال، مهما كان حجم التآمر والمماطلات.

إن جلوس المملكة المغربية إلى جانب الجمهورية الصحراوية في القمم والمؤتمرات الإقليمية والدولية دليل أكيد وملموس على أن الرهانات الإستراتيجية المغربية الجديدة تسبح عكس التيار التاريخي والسياق الدولي المعاصر.

إن النظام المغربي يتدحرج، بوتيرة متسارعة، نحو الهاوية مهما اشترى من الوقت ومهما باع من المخدرات.

UPES