الأخبار

الشريك الأجرب (بقلم: أمحمد البخاري)

الشريك الأجرب

تعج وسائل الإعلام على طول الساحة الأوروبية هذه الايام بالتفاصيل الأولية للفضيحة المدوية المتعلقة بالرشوة التي هزت أركان أكبر مؤسسة تشريعية في العالم تمثل 27 دولة و التي بطلها المغرب.

و بالفعل، لقد تم إلقاء القبض علي  نائبة رئيس البرلمان الإشتراكية اليونانية إيفا كيلي Éva Kaili و صديقها الايطالي فرانسيسكو جورجي Francesco Giorgi،
و صادرت الشرطة البلجيكية في سكنهما مبلغا ماليا هاما كان بحوزتهما كما اُلقيٓ القبض على النائب السابق الإشتراكي الايطالي آنطونيو بانزيري Antonio Panzeri الذي يعتبر الشخصية الأبرز التي فتحت الباب واسعا، منذ سنوات، أمام عملية تجنيد ضخمة للبرلمانيين من طرف المخابرات المغربية.
تمت خلال مداهمات الشرطة أثناء عمليات الاعتقال مصادرة ما يناهز مليون و نصف من العملة الاوروبية مكدسة في حقائب.

تحرك القضاء البليجيكي أتى بعد أشهر من متابعات و تحقيفات شاركت فيها اجهزة عدة بلدان, والتي  خلُصٓت إلى التوصل إلى أن الهيئة التشريعية الأوروبية تم إختراقها من لدن مصالح أجنبية,  و باتت قراراتها رهينة لتأثير الرشوة و شراء الذمم.

و حسب جريدة المساء البلجيكية (Le Soir) فإن النيابة العامة  انتبهت إلى أن وراء ما سمي بقطر غيت ” QatarGate ” تتستر أكبر عملية تجسس و شراء ذمم مدبرة، منذ عشرات السنين، من طرف المغرب.

و الحقيقة تكمن في أن الدولة الخليجية طلبت مساعدة المغرب الذي يمتلك لوبيا قويا متغلغلا داخل مختلف مؤسسات الإتحاد الأوروبي و اجهزته و هو الذي ساعد على حصول قطر على تراجع البرلمان الأوروبي عن إدانتها في ما يتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان و خاصة بالنسبة للعمال الأجانب, بالإضافة إلى التمتع بإمتيازات لمواطنيها في موضوع الإعفاء من التأشيرة و حصول الخطوط الجوية القطربة علي حرية برمجة رحلاتها علي طول الساحة الأوروبية في مقابل معاملة شركات الطيران الأوروبية بالمثل.

المغرب غيت ” MoroccoGate “

سعى المغرب منذ عقود إلى الحصول على  تأييد المجتمع الدولي في حرب الصحراء الغربية. و نتيجة لإفتقاده للحق في مطالبه التراببة على الإقليم الذي يوجد علي طاولة الأمم المتحدة و جميع المنظمات الإقليمية منذ 1963، باعتباره مسألة تصفية إستعمار، لم يبق امامه إلا شراء الاصوات و الأقلام ، بكل الطرق و الوسائل، و بكل ما اوتي من قوة و هذا على مدار ما يقارب الآن خمسة عقود.

إنتزعت مراكش و مدن مغربية، إنطلاقا من هذه الإستراتيجية، الوجهة الاولى للسياحة الجنسية من مختلف الأصناف قبل  بانكوك و المنتجعات المحروسة في آسيا وغيرها من الأماكن. و اشتهرت  بذلك عالميا عدة  فنادق مغربية  مثل “المامونية” و غيرها من الدور الخاصة التابعة للمخابرات و ” اجنانات” التي تحكي عنها قصص الليالي الحمراء المدفوعة الثمن.

و منذ حقبة ثمانينيات القرن الماضي,  وضع الحسن الثانى قصوره و خدماته تحت اشراف  المشاهير و القادة في مقابل شيء واحد، يتمثل في غض النظر عن حرب الإبادة ضد الشعب الصحراوي و تلميع صورة حكمه الدموي و تأييده في محاولة تشريع إحتلاله.

هكذا ذاع صيت مملكة العلويين. و اختار كتاب كثر و مشاهير و سياسيين، من الذين تجلبهم حركات و حلقات جامع الفناء و الوانه و روائحه و اضوائه الليلة التي تجلب جمهورا من مختلف الأعمار و الأجناس من عشاق الهوى، إختاروا الإقامة بمراكش و الصويرة و طنجة و تيطوان و حتى  ورزازات و زاݣورة و غيرها من البلدات و المداشير المغربية التي ما زالت غالبية سكانها تعيش في القرون الوسطي و التي يجدون فيها فرصة التفرد باستغلال بني البشر بعيدا عن  كاميرات الإعلام.

مع استمرار حرب الصحراء الغربية و شراستها و الدمار الإقتصادي و الإجتماعي الذي خلفته على الأوضاع العامة في المغرب، السالبة للكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى الهزائم العسكرية المتلاحقة لجيشه المتخندق وراء الاحزمة الدفاعية و العزلة الديبلوماسية المتصاعدة، فرض على المغرب اعتماد الرشوة  كوسيلة  لبلوغ اهدافه و شراء الذمم في كل المواقع, اذ يتم الإستمرار في جلب الأشخاص المؤثربن ضمن زيارات مبرمجة و “مؤطرة بالمفهوم المغربي”،  و عمد القصر المغربي إلى نشر اجهزته في الخارج بكثافة بهدف تشكيل اللوبيات في الدول مباشرة للتأثير علي الحكومات و البرلمانات و الصحافة في عين المكان.

ظهرت هكذا إلى الوجود عشرات اللوبيات في مختلف القارات و العواصم,   تديرها وتمولها  السفارات المغربية من خلال ضباط لادجيد و متعاونين محليين تحت أسماء مختلفة تقوم بتنظم ندوات و لقاءات في العديد من البلدان و تؤطر زيارات للمغرب و الأراضى الصحراوية المحتلة مقابل المال.

و كثف المحتل المغربي من تنظيم المؤتمرات و الملتقيات  و الندوات المختلفة لإستغلالها بطريقة بشعة في إطار سياسة المغالطات في ما يتعلق بالنزاع الصحراوي المغربي و إصدار تصريحات مغشوشة او مسروقة من الكثير من الوفود الاجنبية و الزوار.

تميز حكم محمد السادس، كما يذكر الكتاب الفرنسيون، بعقلية جمع الثروة و بالإعتقاد أنه يمكن شراء كل شيء بالمال, و اعطيت التعليمات و الأوامر في هذا الإتجاه بهدف ربح الحرب مع تقديم الخدمات السياسية و غيرها للحكومات الأجنبية.

مع تولي محمد السادس،، أصبح إستعمال القصر و الأجهزة الأمنية المغربية  لعائدات المخدرات، التي تتجاوز 24 مليار دولار,  حسب تقرير كتابة الدولة الامريكية لسنة 2016    و وفقا لمصادر  اخرى مثل الاجهزة الرسمية المختصة التابعة للأمم المتحدة و الإتحاد الأوروبي، فإن هذه العائدات تفوق ذلك بكثير  وهذا الأمر معروف لدى الكثير من  اجهزة المخابرات الغربية بالخصوص.
.
منذ سبعينيات القرن الماضي تتسرب من حين لآخر فضيحة من فضائح الرشوة من تدبير المغرب إلا أن اللوبيات و الدوائر السياسية العليا في عدة بلدان و خاصة في فرنسا و إسبانيا كانت دائما تقوم بالتستر على ذلك      و اخفائه,  و قد حصل أن تدخلت تلك الحكومات لمنع الصحافة من نشر تحقيقات حول الموضوع و تكفل القصر المغربي بالزج بالصحفيين المغاربة الذين يتجرئون إلى  التطرق إليه في السجون,  الشيء الذي دفع العديد منهم إلي اختيار المنفى.
 
فضيحة البرلمان الأوروبي

يطرح الملاحظون و عديد الأوساط السياسية الأوروبية، بمن فيهم الكثير من البرلمانيين انفسهم،  سؤالا حول مصير القرارات التي سيتخذها البرلمان و هيئات الإتحاد الأوروبي لمواجهة ألأزمة السياسية و الاخلاقية التي عصفت بمصداقبة المؤسسات الأوروبية و التي تمخضت عن تصرفات الشريك المغربي الإجرامية.

نتيجة للتواطؤ المفضوح ، و خاصة من طرف فرنسا و إسبانيا، مع الحرب العدوانية ضد الجمهوربة الصحراوية، و الذي وصل إلي حد الدوس علي كل القواعد القانونية      و المبادئ السامية المشتركة التي قام الاتحاد على اساسها يوجد الاتحاد الأوروبي في ورطة غير مسبوقة. و لا شك أن عرقلة تطبيق قرارات محكمة العدل الاوروبية تجسد درجة التهور و فقدان المصداقية التي يعاني منها الإتحاد تحت تأثير اظرفة اللوبي المغربي.

إن ألأزمة السياسية الحالية التي فجرتها فضيحة ” المغرب غيت” تلقي بظلالها خاصة على الظروف التي تم فيها التوقيع علي الإتفاقيات حول الصيد و المنتوجات الفلاحية و حول الشراكة مع المملكة المغربية و منحها صفة الشريك المتقدم في وقت لا تربطها اية قواسم مشتركة مع الاتحاد الأوروبي و لا تشاطرها القيم و المبادئ التي قام الاتحاد الأوروبي على أساسها.

تواطؤ قادة اوروبيين معروفين تحت تأثير الرشوة وسياسة شراء الذمم أوصلوا بعض مراكز القرار في مؤسسات الاتحاد و حكومات بعض الدول إلى حد السكوت عن انغماس المخابرات المغربية في العمل الإرهابي في غرب افريقيا و حتي على الساحة الأوروبية و التنازل امام سياسة المغرب القائمة علي الابتزاز و الضغط المستمر بملفي الهجرة السرية و المخدرات.

تجدر الإشارة إلى أن سياسة شراء الذمم و الرشوة كاستراتيجية مغربية على المستوي العالمي,  و في بروكسيل, خاصة لم تجد مناهضة قوية محسوسة نتيجة للتواطؤ الذي سبق ذكره، فكيف تحركت المخابرات المغربية لتعصف اليوم هكذا بمصداقية و سمعة البرلمان الأوروبي الذي يمثل غالبية شعوب اوروبا و المدافع، حسب ما هو معلن، عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و الشرعية الدولية ؟

العقيد/ البرلماني/السفير عبد الرحيم عثمون الملقب بالعملاق(Le Géant)

بدأت المخابرات المغربية منذ 1975 بالسيطرة على نشاط السفارات و البعثات في العواصم  الكبيرة و عملت على تكوين لوبيات عبر تجنيد شخصيات مؤثرة علي مستويات مختلفة يوكل لها الدفاع عن العدوان المغربي على الشعب الصحراوي. و اشتهر من ضباط لادجيد العقيد عبد الرحيم عثمون، السفير المغربي الحالي في بولندا،  الذي تمكن من إعطاء دفع قوي للوبي المغربي في بروكسيل بعد تجنيده لعدد من البرلمانيين و منهم على الخصوص الايطالي آنطونيو بانزيرى الذي اصبح هو الوكيل الرسمي للمخابرات المغربية و الفرنسي جيل بارنيو و كلاهما من المجموعة الاشتراكية.

السيد عبد الرحيم عثمون من اقدم و اشهر ضباط مديرية المخابرات الخارجية المغربية المعروفة بمديرية الوثائق و المستندات, و إختصارا ب “لادجيد “( La DGED ) و التي يسيرها محمد ياسين المنصوري ، صديق محمد السادس،  و اول مدير مدني لهذا الجهاز بعد ان كان مديرا لوكالة الانباء الرسمية التي تعتبر هي الاخرى من الوكالات التابعة ل” لادجيد”.

تولى عبد الرحيم عثمون عدة مهام امنية تحت غطاء التجارة في فرنسا لمراقبة المعارضين المغاربة و لتنظيم الخلايا الأمنية لمتابعة السياسة الفرنسية بما له علاقة بالمغرب، ليستدعى بعد ذلك للقيام بمهمة ربط الإتصال بالبرلمانين الأوروبي و الفرنسي و ذلك تطلب انضمامه أولا الي الحزب الدستورى برئاسة الوزير الأول المعطي بوعبيد ليلتحق بعده  بحزب التنمية و المعاصرة الذى انشأه صديق محمد السادس و مستشاره الأقرب، فؤاد عالي الهمة، و بتلك الصفة الحزبية تقلد مناصب برلمانية سمحت له  بالتغلغل داخل  برلمانات في أمريكا الوسطى و الجنوبية و مكنته من  قيادة المجموعات البرلمانية المشتركة نيابة عن المغرب مع عدة برلمانات قارية و جهوية منها مجموعات الصداقة و اللجان البرلمانية المشتركة.

العقيد عبد الرحيم عثمون هو الذي تولى تنظيم الرحلات   و الزيارات لعدد هام من البرلمانيين من أوروبا و أمريكا اللاتينية و هو الذي انشأ اللوبي  بالبرلمان الأوروبي الذي تزعمه البرلماني الايطالي الاسبق انطونيو بانزيري سنوات طوال قبل أن يواصل المهمة من خلال انشاء منظمة غير حكومية تحت إسم جديد و بتمويل مغربي و هذا تحت  إشراف العقيد عبد الرحيم عثمون الذي ينسق عمل اللوبي من سفارته في العاصمة البولندية.

و في الاخير، هل سترفع المؤسسات السياسية الأوروبية التحدي من خلال اجتثاث بؤرة الفساد و الرشوة التي لطخت اسم اكبر مؤسسة تشريعية علي المستوي العالمي   و المحمية من لدن جهات اوروبية نافذة أم أن المحتل المغربي سيحظي مرة اخرى بالتواطؤ المعهود ضد كل المصالح الحيوية الإتحاد الأوروبي و منها سمعته و مصداقيته؟

لقد اضحى المغرب ذلك الشريك الأجرب,  الذي يحوز على وضع متقدم لدى الإتحاد الأوروبي, رمزا للعدوان و لإنتهاك ابسط المبادئ الإنسانية السامية و المثال الحي للفساد بكل تجلياته.
امحمد/ البخاري 18 ديسمبر 2022