قرار المحكمة الأوروبية…التبعات والانعاكسات(بقلم: عالي محمدلمين)
في ضربة موجعة، وبعد سلسلة جلسات دامت لسنوات تخللتها أحكام وطعون ثم إعادة المحاكمة، أعلنت المحكمة الأوروبية العليا يوم الجمعة 40 أكتوبر حكمها النهائي والغير قابل للطعن في ما يتعلق ببنود اتفاقية الصيد والتجارة بين الاتحاد الأوروبي من جهة والاحتلال المغربي من جهة ثانية، فما هي التبعات السياسية والقانونية والاقتصادية للحكم على القضية الصحراوية؟
تشكل الثروات الصحراوية كنزا ثمينا للإحتلال المغربي ومحركا رئيسيا للدوافع الأولى لأطماعه التوسعية في الصحراء الغربية مطلع السبعينات، كما تزداد أهمية الثروات الصحراوية بالنسبة للمخزن المغربي في ظل الإفلاس المختفي خلف عباءة كثيفة من الديون المقدمة من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مطرزة بزخاريف من المنح والهبات التي يقدمها الاتحاد الاوروبي للمغرب نظير خدمات الحراسة الحدودية والتنسيق الامني في مجالات ما تسمى الحرب على “الارهاب”! ومحاربة المخدرات! (والمغرب أكبر بلد منتج ومصدر للقنب الهندي)… عباءة مزركشة بمساعدات من الولايات الامريكية المتحدة نظير تنازلات يقدمها المغرب تشمل التأمر ضد الفلسطنيين وتعميق واقع التطببع ودعم الكيان الصهيوني ومحاولة دمجه في المنطقة الإسلامية والعربية وتطبيق مزيد من إجراءات التكييف للمجال الاقتصادي المغربي نحو الرأسمالية المفرطة والعبث في المناهج التعليمية… ضف الى ذلك، تشكل الثروات الصحراوية بوابة هامة لمحاولة تغيير المواقف التقليدية لبعض الدول(الصين روسيا الاتحاد الأوروبي…) ذات العلاقة بالقضية الصحراوية، يقدم الإحتلال المغربي خلال مقاربته عروضا سخية للإستثمارات في الصحراء الغربية كمقايضة رخيصة للحصول على مواقف سياسية تساند أطروحاته التوسعية، كما تلعب الثروات دورا هاما في شراء ولاء بعض العملاء الصحراويين النافذين والشيوخ والأعيان… ، وتستخدم الثروات الصحراوية كذلك كوسيلة لإرضاء الأجنحة والعائلات المؤثرة في دواليب الدولة العميقة في المغرب، وهي الجهات المدمنة على النهب والفساد الذي يميز النخبة الحاكمة في دولة “أمير الفقراء”!.
إذ يجني المخزن المغربي من عمليات النهب في الصحراء الغربية المتواصلة منذ 1975 ثروات طائلة تقدر بملياري دولار سنويا، تمتد مصادرها من الفوسفات مرورا بالصيد البحري وصولا للزراعة وعمليات الإستكشاف عن النفط والذهب وغيره… وكذا مشاريع الطاقات المتجددة؟
ورغم تجنيد الإحتلال المغربي لكل من المفوضية الأوروبية(الذراع التنفيذي للاتحاد) وفرنسا وإسبانيا لمساندته قضائيا مع الإستنجاد باللوبيات ومنها اليهودية المتنفذة في سلك القضاء الأوروبي والدولي وإستخدام أساليب الإبتزاز والتهديد والرشاوي والتجسس والإبتزاز المعلوماتي، ورغم كل السبل المتبعة والأدوات المستخدمة فقد أصدرت المحكمة الأوروبية حكمها النهائي والذي أعلنت فيه أن “الاتفاقية المغربية الأوروبية حول الصيد والتجارة ملغاة في جانبها المتعلق بالأراضي الصحراوية”.
التبعات والإنعكاسات السياسية والاقتصادية والقضائية…
للقرار محتوى سياسي بارز وهام لا تخطئه العين، حيث يعزز القرارات القضائية السابقة لا سيما الصادرة عن محكمة العدل الدولية بلاهاي 1975 وكذا التوصيات والقرارات السياسية ذات العلاقة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ يقر الحكم النهائي للمحكمة الأوروبية أن الصحراء الغربية “إقليم غير محكوم ذاتيا”، وفي مضمونه يوسم القرار ضمنيا المغرب ك”دولة إحتلال” تمارس سياسة الأمر الواقع.
اقتصاديا، يشكل القرار ضربة موجعة لنظام بائس يعيش على الإعانات والديون والتزلف وخدمة الصهيونية…، إذ يشير ضمنيا قرار المحكمة إلى أن كل الإستثمارات والشراكات والاتفاقيات التي يعقدها المحتل المغربي مع مختلف شركائه من دول وشركات مجرد عمليات نهب غير شرعي للثروات الصحراوية لا تسند لأي قواعد قانونية راسخة.
وفي جانبه القانوني الإجرائي، يحدد مضمون قرار المحكمة الأوروبية العليا جبهة البوليساريو كطرف وحيد وأوحد يمثل الشعب الصحراوي ويحظى بالشخصية الإعتبارية التي تمكنه من أداء ذلك الدور المفصلي، كما يتجاهل القرار الكيانات الموازية ك”خط الشهيد” و”صحراويين من أجل السلام” ويرفض إعطاء أي صفة إعتبارية لأعوان الإحتلال المغربي في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية من مخبرين في ثوب منتخبين ومسؤوليين وكذا ومنشقين منضمين للمخزن ويجعلهم خارج النطاق التمثيلي للصحراويين، كما يشترط الحكم على أي إستثمارات مستقبلية أن تفي بشرط إستشارة الصحراويين وأن يكونوا من المستفيدين بشكل واضح ومباشر من ثرواتهم.
عالي محمدلمين