الأخبارمقالات

المغرب يرأس مجلس حقوق الإنسان: عندما ترجح دبلوماسية “البزنسة” المخزنية على دبلوماسية الأخلاق الإنسانية لجنوب افريقيا

المغرب يرأس مجلس حقوق الإنسان: عندما ترجح دبلوماسية “البزنسة” المخزنية على دبلوماسية الأخلاق الإنسانية لجنوب افريقيا

بقلم: محمد ليمام محمد عالي سيد البشير

أصيب المدافعون عن حقوق الإنسان في كل مكان بالصدمة عندما علموا أن المغرب سيتولى الرئاسة الدورية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للعام 2024، بعد ان تقدم على دولة جنوب أفريقيا في تصويت سري أجري يوم الأربعاء الفارط.

وبمجرد إعلان الخبر، ضجت العديد من حسابات مستخدمي الإنترنت والمدافعين عن حقوق الإنسان بسلسلة من الأسئلة المتعلقة بالموضوع، ومن بينها، كيف يمكن لبلد ينتهك حقوق الإنسان، ويمارس سلطة الاحتلال على بلد آخر، أن يحظى برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؟

كما انه لا يخفى جميع المتتبعين استمرار المغرب وإمعانه في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المدنيين الصحراويين العزل، من نساء وأطفال ومسنين، في الأراضي المحتلة من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ورغم أن بعض تلك الانتهاكات سبق توثيقها من قبل منظمات حقوقية دولية وإفريقية مرموقة، إلا أن العديد من الانتهاكات الأخرى لا تزال ترتكب بعيدا عن الإشراف الدولي، بسبب الحصار الإعلامي والعسكري المفروض على المناطق الصحراوية الواقعة تحت الاحتلال المغربي غير قانوني.
وقبل التصويت، وصف سفير جنوب أفريقيا مكسوليسي نكوسي، في تصريح صحفي، المغرب بدقة شديدة بأنه “نقيض ما يمثله المجلس”. ولهذا السبب فإن انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان يشكل إهانة حقيقية لأفريقيا وللكرامة الإنسانية لجميع الأفارقة.

الدورة العادية الثالثة والأربعين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي

اختتمت أعمالها في 14 يوليو 2023 في العاصمة الكينية نيروبي بعد يومين من المداولات. حيث أعلن وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي عن رفضهم تزكية ترشيح المغرب، نيابة عن المنظمة القارية، للرئاسة المقبلة لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. ويعود هذا الرفض أساساً إلى عدم وجود توافق داخل المجلس التنفيذي.

وأبدت وفود عديدة خلال مداولات المجلس التنفيذي تحفظها على هذا الترشيح السخيف للمغرب. إذ ان الحجج التي تناقض هذا الترشيح لا تعد ولا تحصى، وفي الواقع، هدد الوفد الصحراوي خلال مداخلته بالتطرق بعمق إلى الوضع المأساوي للحقوق الفردية والجماعية في أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي يحتلها المغرب بشكل غير قانوني، إذا استمر الأخير متمسكاً بترشحه للرئاسة الدورية لمجلس حقوق الإنسان.

وتساءل الأفارقة كيف يمكن لدولة قمعية مثل المغرب أن ترغب في تولى الرئاسة المرموقة لمجلس حقوق الإنسان.

ولا يمكن لأفريقيا أن تدعم دولة مثل المملكة المغربية، لأن ذلك سيكون إهانة لأفريقيا والكرامة الإنسانية لجميع الأفارقة؛ وهي دولة، علاوة على ذلك، لم توقع بعد على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وهي دولة تمنع الزيارات إلى أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المحتلة بشكل غير قانوني، وتطرد المراقبين الدوليين والصحفيين الأجانب تعسفا من الأراضي المذكورة. إن سجل حقوق الإنسان المغربي سيء للغاية لدرجة أن القليل من الدول تجرؤ على تقديم المساعدة له علانية.

وبما أن المغرب لا يشكل بأي حال من الأحوال نموذجا لاحترام حقوق الإنسان، بل على العكس من ذلك، فقد أرادت منظمتنا القارية أن توضح للمغرب أن رغبته في الترشح لن تكون بإسم إفريقيا، تجنبا لتلميع سجله الحقوقي الأسود، لأنه سيكون أمراً مشيناً لو كان المغرب هو الصوت المخول للحديث بإسم الأصوات غير المسموعة للضحايا الأفارقة. إن المشاركة في انتخاب رئيس مجلس حقوق الإنسان تعني، بالنسبة لأي منظمة أو دولة تحترم نفسها، تسليط الضوء على الحاجة المشتركة لجميع الأماكن التي تعاني من الصراعات العنيفة، وهي الاستماع إلى الضحايا ومرافقتهم ومواجهتهم على النحو الواجب لبناء مجتمعات ديمقراطية ومتعايشة وسلمية.

دبلوماسية البزنسة على حساب دبلوماسية حقوق الإنسان

من المعروف أن دبلوماسية البزنسة تقوم في جوهرها على منطق المقايضة: لن أفعل شيئاً من أجلك إذا لم أحصل منك على شيء في المقابل.
وبطبيعة الحال، فإن منطق المقايضة ليس بالأمر الجديد في الدبلوماسية المغربية. كثيرا ما يستخدم المغرب، مثل غيره من الديكتاتوريات، دبلوماسية البازار لكسب الأصوات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولكي نفهم النوايا المخادعة لمهندسي هذه الدبلوماسية القائمة على المنفعة، والمشهورة بقراءاتها الانتقائية لقرارات الأمم المتحدة، وبإنجازاتها المشكوك فيها – والتي تحققت عن طريق الابتزاز ودفتر الشيكات -، فضلا عن حجم نكساتها، ستكون فكرة جيدة أن نلقي نظرة إلى الوراء ونضع الأمور في سياقها الصحيح.

إن الركائز التي تقوم عليها السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا هي حماية وتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية والقانون الدولي، فضلا عن العلاقات المتعددة الاطراف. فمواقف جنوب افريقيا المشرفة داخل المنظمات المتعددة الأطراف مثل الاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والجمعية العامة، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ترتكز على هذه الركائز. ولذلك، يمكننا أن نؤكد بكل ثقة أن السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا هي النقيض للسياسة الخارجية المغربية.

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو هيئة تابعة للأمم المتحدة، تتمثل مُهمته في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ونشر الاحترام العالمي للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بدون تمييز من أي نوع وبشكل عادل ومتساوي للجميع. يتكون مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من 47 دولة عُضو يتم انتخابهم لمُدة ثلاث سنوات متداخلة على أساس نظام المجموعة الإقليمية.

وفي الختام، بما أن كل ما ذكر أعلاه هو حقائق ثابتة لا يمكن إنكارها، فإننا نحمل “مجلس الكهنوت الحقوقي” الذي يدير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبخاصة المغرب ومن صوت لصالح ترشيحه، مسؤولية كل انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن قرار تزكية ترشيح دولة الاحتلال، التي لها نية مع سبق الترصد في الأراضي الصحراوية المحتلة. وسيكون مذنبين، بفعلهم أو إغفالهم، بهذه الانتهاكات.