الشهيد سعيد الصغير(بقلم: السيد يحظيه)
على لوحة واضحة معلقة عند مدخل تلك المتوسطة العتيدة المبنية من الطوب وعرق المناضلات في ولاية العيون يظهر اسم الشهيد سعيد الصغير. هذا ما بقى من تاريخ ذلك البطل.
هو واحد من ابطال حرب التحرير الصحراوية العظماء الذين تركوا بصماتهم في سجل التاريخ وفي أرض الميدان بشجاعته وذكائه في المعارك التي خاض ضد الاحتلال المغربي. حينما التحق محمد عبد العزيز بالشمال لتنظيم وقيادة كتائب جيش التحرير الشعبي الصحراوي لصد العدوان المغربي، كان سعيد الصغير إلى جانبه. كان من أول قادة كتائب المقاومة الذين تصدوا للقوات المغربية في الفرسية وحوزة وجديرية، واشتهر بعبقريته في نصب وإقامة الكمائن. هو مهندس أغلب الكمائن الناجحة التي شهدها وادي الساقية الحمراء منذ نهاية سنة 1975م إلى منتصف 1978م. بعد استشهاد سيدي حيذوك في سبتمبر 1976م، وقع الاختيار على سعيد الصغير كي يقود الناحية الأولى، رأس حربة جيش التحرير الشعبي الصحراوي. كانت منطقة نشاط الناحية الأولى العملياتي هي أخطر منطقة في الحرب، وتوجد خلف خطوط العدو في منطقة تضاريسها صعبة. احتلت الناحية الأولى المنطقة الموجودة شمال الحكونية وجديرية، ويشمل نشاطها قطاع الطنطان وطرفاية والطريق الرابط بين الطانطان والعيون. كل العمليات التي ستحدث في قطاع الناحية الأولى هي معارك تقع خلف خطوط العدو وفي أماكن خطيرة. فاذا وقعت عملية في طنطان، مثلا، ستخرج نجدة من العيون ونجدة من الحكونية ونجدة من السمارة، ويتم غلق كل المنافذ وتطوق القوة الصحراوية ويتم القضاء عليها. لا أحد من القادة العسكريين كان يتمنى قيادة الناحية الأولى. تحتاج قيادتها إلى بطل ذكي يستطيع الخروج من كل المآزق التي يقع فيها، وفي نفس الوقت يلقن العدو دروسا في فنون القتال. كانت استراتيجية سعيد الصغير أثناء قيادته للناحية الأولى هي نصب الكمائن الذكية، الاغارات، الهجومات السريعة والانفراد بالحراسات والقوات المتنقلة، وتفادي الصدام المباشر مع القوات الجرارة. أغلب المعارك التي خاضتها وحدات تلك الناحية، أو كلها، خاصة التي خاضتها الوحدة الأولى، كانت ناجحة ومؤلمة بالنسبة للعدو المغربي. الهجمات المتتالية لوحدات الناحية الأولى والاغارات واستهداف قوافل الدعم وقطع طرق الامداد، جعلت الجيش المغربي يفقد توازنه في ساحة المعركة. بين سنوات 1976م-1979م قام الجيش المغربي بخمس حملات تمشيط لإخراج الناحية الأولى من وادي الساقية الحمراء، ومن خلف خطوط الجيش المغربي، لكنه فشل. كانت خطة قائد الناحية الأولى، سعيد، هي عدم الصدام المباشر مع قوات التمشيط الجرارة، لكن في نفس الوقت تتم مواجهتها بمجموعة من الأعمال القتالية المتواصلة ليل نهار، بدون توقف. فإذا خرجت قوة تمشيط إلى وادي الساقية الحمراء، تتوزع وحدات الناحية الأولى على مهاجمتها. بعض الوحدات تهاجمها وتناوشها طول الليل وبعضها يهاجمها ويناوشها طول النهار. من خطط سعيد الصغير كذلك أنه كان يقوم بأغلب عملياته، خلف خطوط العدو، قبل المغرب بقليل، ويختار دائما الساعة الخامسة مساء. الهجوم وقت المساء يحرم العدو من الاستفادة من عامل النجدات وعامل تدخل الطيران. حين يبدأ الهجوم على الخامسة مساءً، مثلا، تنتهي المعركة، عادة، وقت المغرب ويتم الانسحاب في الظلام بدون خسائر. الهجوم في النهار في تلك المنطقة الموجودة خلف قوات العدو هو عمل محفوف بالمخاطر. فإذا حدث هجوم مثلا على طرفاية فجرا سينتهي على الثامنة صباحا وسيحدث الانسحاب. في هذه الحالة لن يكون الانسحاب آمنا لأن النجدات ستغلق طريق القوة الصحراوية وسيتدخل الطيران.
استشهاد القائد سعيد الصغير
رغم أنه كان قائد أشهر ناحية عسكرية في جيش التحرير الشعبي الصحراوي إلا أنه ظل يعيش بعقلية المقاتل البسيط. حين تجده مع وحداته لا تستطيع أن تفرق بينه وأي مقاتل عادي. كان يركب سيارات الوحدات، يلبس “الكندورة” مثلهم، يتواجد في مقدمتهم ويأكل معهم ويتعايش يوميا معهم. لكن إذا كان المقاتلون يستفيدون من عطلة كل ثلاثة أشهر، فإن سعيد الصغير نادرا ما كان يذهب في عطلة، ولا يعود إلى الخلف إلا إذا كان سيحضر إلى اجتماع رسمي لهيئة الاركان. بمجرد أن ينتهي الاجتماع يعود سعيد سريعا إلى وحداته خلف خطوط العدو. خلال قيادته للناحية الأولى تعب كثيرا، وظل يعيش بعقلية أنه هو المسؤول الأول عن تلك الكتائب الشُّجاعة التي تقاتل في منطقة الخطر، وراء خطوط العدو الخلفية. منذ ماي 1979م بدأ سعيد يفكر في مغامرة كبيرة هي الهجوم على ميناء ومطار الطانطان. لكن كل المنافذ كانت مغلقة، والحراسات تتواجد في كل مكان، وتوجد مرتفعات يستحيل المرور معها أو تسلقها. التفكير في الهجوم على ميناء ومطار الطانطان بواسطة مقاتلين راجلين هو انتحار. في الأخير، قرر سعيد وايوب أن يتم فتح طريق في المرتفعات تستطيع أن تصعد منه السيارات للوصول إلى المطار والميناء. يوم 12يونيو 1979م، صعدت دوريتان- واحدة من الناحية الأولى وواحدة من الناحية الثالثة- مع الطريق الخطير. في السيارة الأولى كان سعيد، قائد الناحية الأولى ووراءه سيارات دوريته. توجهت تلك الدورية نحو الميناء الذي يبعد ب20 كلم عن المطار والمدينة. قرب الميناء خاضت تلك الدورية الصغيرة معركة مع حراسات الميناء، وتم قصف المطار. حين كان سعيد يقف بين رجاله ينظمهم اصابته رصاصة طائشة في الصدر. حين كانوا يحاولون اسعافه قاموا بقص جيب “كندورته” لانتزاع الرصاصة. جيب “الكندورة” الذي رموه كانت توجد به رسالة من وزارة الدفاع الصحراوية إلى سعيد بصفته قائد ناحية. طلب من نائبه أن يقود الناحية، وطلب أن يتم دفنه عند بجوار سيدي احمد الرقيبي في الحبشي. انسحبوا، وعلى الساعة الثانية عشر جاءت قوة مغربية إلى مكان المعركة وعثرت على قطعة جيب “كندورة” وبداخلها الرسالة. عرفوا أنهم قضوا على قائد الناحية الأولى. على الساعة الثانية أذاعت إذاعة لندن بخبر الهجوم، وقالت إن قائدا كبيرا بالجيش الصحراوي اسمه سعيد الصغير توفى خلال المعركة.
السيد حمدي يحظيه