الأخبارمقالات

تكريما لرفقاء الدرب، ولمن خضبوا الطريق نستقرئ معا وقفة مع فكر الشهيد الولي مصطفى السيد

يحي الشعب الصحراوي من كل سنة يوم 9 يونيو يوم الشهيد الذي يصادف هذه السنة مرور 47 سنة على سقوط الشهيد الولي مصطفى السيد الامين العام الأسبق لجبهة البوليساريو ومؤسسها وواضع معالم الدولة الصحراوية ، بالمناسبة كذلك ونحن على بعد امتار من الذكرى الخمسين لاندلاع الكفاح المسلح ، واليوم الوطني لجيش التحرير الشعبي الصحراوي ، المصادف للعشرين من ماي ، وعليه فان اسرة تحرير جريدة الصحراء الحرة تضع بين أيدي قرائها الكرام دراسة تضم اراء بعض الباحثين ورفاق الولي ، حول فكر الرجل ومناقبه ….
يشكل الولي في نظر من عرفوه ظاهرة تاريخية لشخص جمع” شخوصا، وتوفرت فيه كفاءات متعددة” لكنه طرح جملة من الأسئلة قبل ان يضع لها الاجوبة في مشروع وطني يشكل اليوم رسالة بيد شباب يفرض الآن نفسه كمعادلة صعبة بالمنطقة”.
كما كان رجل إعلام وسياسة “متمرس” ترك بصماته في المنظومة العسكرية الصحراوية، الى جانب كونه رجل ميدان و سياسة “محنك” أدرك التحديات وتمكن من وضع الخيارات والمخارج التي مكنته من معرفة كيف” يمسك براس الخيط” بحسب الصحفية اللبنانية ليلي بديع ويشاطرها في الراي نفسه المحلل الاسباني بريونس في كتابه عن الولي ….
الولي يمثل” قدوة” في الدبلوماسية وفي ربط الاتصال بالآخر وكسب التحالفات وتشكيلها، كان المفاوض الفذ المقنع سواء مع المناضلين، أو مع الشيوخ، أو مع الآخرين، الرجل يعرف كيف يبلور افكاره، وكيف ينظم وقته وكيف يسير التنظيم ويحسن ابداع اساليب العمل، يتقن تصريف الأدوات وتنظيمها، وفي نفس الوقت كان الرفيق المستحيل لرفاقه، والأخ المحب لأخواته، والأب الحنون لكل الأطفال الصحراويين والإبن البار للشيوخ والعجائز بحسب العارفين له… كان كل هذا وأكثر وهو لم يتجاوز ال28 سنة حين سقط في ساحة الشرف قبل 47 سنة، يقول رفيق دربه محمد لمين احمد
بنى الولي فلسفته في القيادة على “الريادة والمبادأة والصرامة والصراحة ونقد الذات” خاصة في مخاطبة ومعالجة الاطر.. تلك الفلسفة التي جسدها في الاتصالات المبكرة مع القوى السياسية في المغرب وموريتانيا ولبنان وفي اقناع القيادات السياسية في الدول المجاورة (ليبيا، الجزائر، موريتانيا)، وكرسها في تأسيس جبهة البوليساريو واعلان الكفاح المسلح، وتشكيل المجلس الوطني الصحراوية واعلان الدولة الصحراوية في لحظة من تشتت البال وضعف الامكانيات وفي ظروف جهوية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد….
“قوة الاقناع التي تحلى بها الرجل جعلته يحظى باعتراف كبار شخصيات العالم ويجد لنفسه مكانة كبيرة بين رفاقه وفي قلوب كل الصحراويين الذين يسيرون على ذات النهج نهج الشهداء الذي كان الولي سباقا فيه ورياديا في سلكه” يضيف ولد احمد في محاضرة قدمها في هذا المقام .
الولي مصطفى السيد هو الذي قال فيه الامين العام الاسبق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، جورج حبش بأنه” وجد نفسه أمام شخصية لم ير لها مثيلا لا من قبل ولا من بعد، بل اعترف له بالشخصية الفذة التي تمكنت من سلب لبه وجعلته يتلعثم في حديثه أمامه بحسب الكاتبة الصحفية اللبنانية ليلي بديع.
كما قال فيه الزعيم الليبي معمر القذافي في رثائه سنة 1976:” لقد أضعت ولدا لم الده وأضعت صديقا ما سعيت إلى أن أكون له صديقا وأضعت نبيا أرسل في غير زمانه.” بحسب الكاتبة اللبنانية التي كانت اول من تعرف عليه سنة 1972
ذلكم هو الولي المفكر و القائد الذي خاطر بروحه من أجل شعبه ووطنه، وجسد القول المأثور” اذا ارادت القدرة الخلود لأمر سخرته لخدمة الجماهير.” كما قال الشهيد محمد عبد العزيز في احد خطبه ، وهو يستعرض شمائل رفيق الدرب ….
في فكره تقول عيتاني خلال محاضره :”في تفكيره كان اشتراكيا يؤمن بعدالة عمر بن الخطاب، لكنه رأسمالي يؤمن بأن الثروة يجب أن تكون لجميع الشعب ويؤمن بالعدالة الاجتماعية..كونه يؤمن بالانسان وبالشعب، ويكفر بالقبلية وبكل ما يشتت او يفرق الشعب الصحراوي.”
وصفه ممن درسوا فكره انه كان انسانا عبقريا، ذا قدرات خارقة، يمتلك رؤية وفكر رجل استراتجي من طراز رفيع ، كان يدرك عظمة الجماهير وقدرتها غير المتناهية في القيادة والعطاء والريادة والتواصل، كما كان يضع التواضع سمته لصيقة بمن اراد ان يجعل له مكانا بين الجماهير يمقت الترفع و كل مظاهر القيادة السلبية كما قال الكاتب الاسباني افيلبي بريونيس.
في ظرف قياسي وضع بصماته على المشروع الوطني في الدولة والتنظيم السياسي موضحا العلاقة بين الاثنين مثل التي بين القاطرة ومحركها .

       الولي ضمير البوليساريو .. الغائب الحاضر..!!

قال الدارسون للظاهرة انهم نقبوا في اكثر من كتاب درس الرجل ، وتوقفوا عند بعض النقاط المضيئة التي يرون انها قابلة بان تكون محور اكثر من ملتقى او دراسة ، وكل جانب منها يصلح لأن يدرس بحاله من لدن ذوي الاختصاص بالتعاون مع ذوي الخبرة والمعرفة بتلك الفترة الخصبة من تاريخ المقاومة الصحراوية، والتي لعب فيها الولي دور قطب الرحى ..!!
وتوقف المهتمون بفكر الرجل عند ابرز هذه المعالم مستحضرين نفسه من قبيل كيف نجعله، رقيب اعمالنا وحسيب اقوالنا..!؟ كيف نتذكره دروسا في قدوة الطليعة والوطنية..!؟ كيف نتمثله انسانا ثائرا على واقع مريض ومرفوض، كيف سخر نفسه لخدمة الجماهير، وكيف ابتعد عن الانانية وحب الذات والتضحية بكل شيء كما كان الولي ورفيق دربه اوليدة .!؟
وهو الذي علمنا كيف يثور الانسان و كيف يتفسخ من الدنيا بقدها وقديدها ويمتشق المعاناة من اجل قضايا انسانية رفيعة..!؟ كيف كان يعطي للقاعدة ولا يأخذ منها ..!؟ كيف كان يرى بان انصاف الحلول مزالق: الوطن لا يقبل القسمة فالصحراء اما دولة مستقلة او مقبرة للشهداء ..!!
نبش الذاكرة وشحذها على هذا النحو، يقود حتما لاستفهام اخر اعمق واشمل ما العمل لشحن الذات وتنقيتها بما يحقق النوعية في الاداء ويكرس ثقافة التضحية والعطاء ويربى فضيلة التطوع وينقي النفس من الشوائب ويزكيها لخدمة قضايا انسانية رفيعة سامية سمو الحرية والاستقلال ..؟!
هنا تحضر شاخصة قيم الشهادة، ونكران الذات اين نحن منها واين هي منا في وقت يعز فيه نكران الذات..!؟
وضع النقاط على الحروف يتطلب، جرأة في مصارحة الذات وامتلاك ناصية الشجاعة في التفكير بكل وضوح ودون مؤاربة، أي تحمل المسؤولية بما لها وما عليها، وما يقتضيه ذلك من نقد للذات ومراجعة الأساليب والوسائل، والتحلي بثقافة الاعتراف بالأخطاء والقدرة على الاستفادة منها بتصحيحها او تلافيها، كما كان الولي يجسد في اقواله وممارسته، و تلك واحدة من ابرز شيم وخصال الولي رحمه الله مع بقية شهداء الشعب الصحراوي ..!؟
لقد علمنا الولي رفقة لفيف من الوطنيين، كيف يصاغ البديل، كيف تحدث النقلة، كيف يقيم الاعوجاج..!؟ وكيف الاعتماد على النفس وعلى الجماهير ..!!
وهو الذي ادرك بان البديل ” تفكير، رؤية واضحة المعالم، استراتيجية حصيفة صارمة ” تضع “القطيعة” فكرا وممارسة مع اساليب وخطط الخصم..
و ترجم ذلك في نقد الذات وجلدها، محاسبة الاطر وفي النهج الذي اختظه للتسيير الذاتي للحركة منذ الوهلة الاولى .. كان الكل يهابه كونه المقدام، الشجاع، رجل المراس صاحب النظرة الثاقبة ..!؟.
الولي، صاغ البديل على غرار التجربة الانسانية في الديانات والهبات الاجتماعية والنقلات الكبرى في الثورات الاجتماعية والسياسية على مر التاريخ ..!؟
هنا نتوقف عند نقد انفسنا : كيف لنا ان نعيب ممارسات الاستعمار والاحتلال، ونكرسها على الارض عن قصد او بدونه (…) التي نوظفها عملة في التسيير وتصريف الشأن العام او الخاص، اعترفنا ام لم نعترف..!؟
بعد استئناف الكفاح المسلح من جديد ، وبعد 47 سنة من رحيل أيقونة الشهداء ، نتوقف متسائلين كيف المقارنة بين الامس واليوم في ظل البون الشاسع بين زمن فضيلة التسابق نحو الشهادة والترفع عن مغانم الدنيا وملذاتها، ومعانقة المصاعب، وما نحن فيه اليوم من تهافت و سباق محموم من اسراف وتبذير وصل حد الجنون ومن هرولة البعض ليس نحو امتشاق البندقية وحب الشهادة، بل بحثا عن فتات من عدو وعن تزلف، وتلك المصيبة ..!؟
الحقيقة ان الولي وزمانه كانا “طفرة” نتيجة ظروف اقليمية ودولية كالتي انتجت نخبة بعينها، جاءت من باب ان المحنة تلد الهمة، وان الطبيعة البشرية لا تقبل الفراغ، بل تنحو باتجاه ملئه.. فالولي يعد في مصاف شخصيات بذاتها ( هواري بومدين في الجزائر الشقيقة ، ناصر في مصر، تشيغيفارة كاسترو في امريكا اللاتينة، تيتو في يوغسلافيا ) كان وليد ذلك التيار وتلك الحقيقة في سجايا النفس البشرية في التمرد على الواقع والثورة بمعنى احداث تغيير جذري عبر فوضى خلاقة ….
في ذكرى رحيل الرجل، تشرأب الاعناق وتعود الى البداية .. معها ترتسم ملامح مرحلة مفصلية ، وضعت البديل الذي كرس ثقافة القطيعة مع الماضي ( ممارسات قبيلة، ولاءات للاستعمار،عبودية، عدمية سياسية)، و جسد التضحية، واشع قيم الرقي الاجتماعي وفضيلة لابتعاد عن المظاهر ومقت الزبونية والمحاباة، وترجل بالتفكير وبالإنسان نحو السمو والعلا في الطموح والاهداف ..
في ظلال الحدث، يتجدد العقد، مع استحضار تلك الشخصية العامرة بحب الوطن، وبتكريم رفقاء الدرب ، والاعتزاز بالشعب، المؤمنة بحتمية النصر وقدس رسالة القضية ونبل مقاصدها وشرف اهلها ..!! تبرز من خلف السنوات، أنفة وكبرياء الثائر، تظهر مميزات الرجل النوعي في تفكيره وفلسفته، وفن تدبيره وسعة علمه وتتجلى في مرابطته عند مقاطعة نهج الخصم في ممارساته واساليبه العامرة بسوء الإرادة الغارقة في الزبونية وحب الذات، وفي الممانعة الثورية والحسم دون تردد ولا مؤاربة او ضبابية في اتخاذ القرارات واسداء التوجيهات وتوضيح المعالم ..!!
من هنا لابد من تجديد العقد على بيعة الشهداء الذي يلامس طموحات وطنية، يحترم الاخر يوحد الشعب، وهو الذي جعل للكل مكانه في العمل، على اعتبار ان الوطن سفينة تتسع للجميع، وان جبهة البوليساريو زمام قيادة و مكسب من حرب التحرير والية بيد الجماهير..!!
لقد ابتدع بديلا يشحن ويعزز فكر ثورة الشعب الصحراوي ويضعها في مصاف التجربة الانسانية الرائدة، ينهل من معينها، يتمثل روحها المتدفقة التي نجدها اليوم في شباب وشعب يمتشق راية المرابطة على الخط بصدور عارية وهامات مرفوعة في مواجهة الاحتلال في العيون، السمارة، الطنطان، الداخلة ، بوجدور وفي المواقع الجامعية في الرباط، مراكش، اكادير، المحمدية .. وفي السجون وفي المدارس بالوطن المحتل … و في تلك الصور رسمتها الاستعراضات العسكرية احتفاء بذكرى اندلاع الكفاح المسلح في ربيعها الخمسين ، التي تصل الينا على ايقاع موسيقي الهبة الوطنية، تطل على العالم ، حقائق ساخنة من خلف القضبان و المحاكم ومن كل حدب وصوب، لسان حالها يقول نموت نموت ويحيا الوطن .. كان اكديم ايزيك قد وضع القطار من جديد على سكة جديدة بدأت تعم المنطقة من المشرق الى المغرب .
انه البديل الذي يضع حب الوطن والدفاع عن مقدسات الشعب الصحراوي أولوية قبل غيرها، و في ذلك فليتنافس المتنافسون ..!! بحقيقة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي وقائد كفاحه من اجل التحرير والاستقلال.
ساهم بفعالية في تحضير وإنجاح المؤتمر الثاني للجبهة المنعقد في غشت 1974.
في نهاية 1974 وحتى ماي 1975 كان له الدور الكبير في التأطير ونشر فكر الحركة وتنظيم الخلايا والفروع وتوجيه احتجاجاتها ومظاهراتها على كامل التراب الوطني ودول الجوار وكانت أكبرها المظاهرات التي انطلقت يوم 12 ماي تزامنا مع زيارة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق.
كان ضمن الوفد الذي شارك في عملية التفاوض مع الإسبان لتبادل الأسرى والتوصل إلى خطة تفاهم بين الجبهة وإسبانيا.
لعب دورا فاعلا في الدعوة إلى الوحدة الوطنية وتعميم نتائج ملتقى عين بنتيلي.
في نهاية 1975 قاد الدفعات الأولى المتردبة لدى الجزائر الشقيقة وبعد التخرج عين قائدا للناحية العسكرية الأولى، حيث قاد الكثير من المعارك ضد قوات الغزو المغربية في شمال الصحراء الغربية وجنوب المغرب ومنها معركة توكات ورأس الخنفرة واريدال والزاك ولمسيد وكل الثكنات والمراكز العسكرية في جنوب المغرب وجرح خلالها مرتين.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يمكن تقسيم فلسفة الشهيد محمد عبد العزيز العسكرية إلى ثلاث أقسام حسب المراحل الزمنية التي واكب من خلالها الرجل حرب التحرير و ما تخلل تلك المراحل من سيمات طبعت كل فترة من الفترات الثلاث المتمثلة في :
1_ مرحلة إعداد و تدريب الجنود .
2_ مرحلة قيادة الناحية العسكرية الأولى على جبهة الشمال .
3_ مرحلة قيادة الدولة و الحركة إبان حرب التحرير .
مرحلة الإعداد و التدريب 1975
قد لا تكون هذه الفترة طويلة من حيث الزمن لكنها مرحلة أساسية في فلسفة الشهيد محمد عبد العزيز بصيفتها النواة الاولى في حياة الرجل العسكرية.
بعدما تم تكليف الشهيد محمد عبد العزيز بتدريب و تسليح الثوار من قبل الشهيد الولي مصطفى السيد، إنبرى الرجل في اعداد الثوار وتهيئتهم نهاية 1975 في دولة الجزائر الشقيقة، متخذا عقيدة التحضير الجيد وفق نمط و أسلوب المعارك المولائمة لتلك الحقبة و المناسبة لتضاريس المنطقة.
لم تخرج فلسفة الشهيد محمد عبد العزيز عن العقيدة العسكرية للثوار آن ذاك و التي كانت في بدايات تبلورها منطلقة من اتخاذ مبدأ حرب العصابات بإمكانات بسيطة أسلوبا قتاليا، إذ بدأ الشهيد في تدريب المنخرطين في صفوف الثوار بأبجديات العمل العسكري حيث درب الثوار على إستعمال الأسلحة الخفيفة و التمرس على معرفة الارض عن كثب، و الإستعداد الجيد لخوض حرب تحريرية، و بتلقين الثوار قدسية تحرير الأرض من براثن الإحتلال ،و هو الامر الذي ولد قناعة راسخة في نفوس المقاتلين انعكست إجابا على أدائهم الميداني ، كون القتال يمنح للمقاتل شجاعة أكبر واستئساد في ساحات الوغى بعكس المقاتل الذي يحارب دفاعا عن سيده أو مقابل مكافآت مالية، ولعل هذا الجانب من بين أهم الجوانب التي تحسب في رصيد الرجل،
و للغوص أكثر في دلالة المعطيات التي قدمها الشهيد محمد عبد العزيز خلال تدريبه لبعض مقاتلي النواة الأولى لجيش التحرير الشعبي الصحراوية و تماشيها مع الإستراتيجية العسكرية التي تم التنظير لها في الفكر الإستراتيجي نجد ان الفلسفة المعتمدة في فكر الشهيد كانت نابعة من رؤية عسكرية ضاربة في التاريخ سواء كانت عن دراية او عن توافق رؤى فقط.
ركز الشهيد محمد عبد العزيز في تجهيزه للمقاتلين على ثلاث قواعد كانت ضرورية للتدريب الاولي للثوار و قد تمثلت في التمرس على الاسلحة الخفيفة كنوع من التعويل على الإمكانات المتاحة، و التعرف على طبيعة الأرض و القدرات العسكرية للعدو، وطرق الإستطلاع و التخطيط وفق نمط و طبيعة الأرض .
إذا ما تم البحث عن هذه القواعد الثلاث في الفكر الاستراتيجي نجد انها فلسفة تتقاطع مع فكر الإستراتيجي الصيني سون تزو و ذلك يبدو جليا في عديد مقولاته العسكرية ، ولعل أكثر المقولات دلالة هي قوله ” إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك، فالنصر لن يصبح محل شك. إذا عرفت طبيعة السماء وطبيعة أرض المعركة، فأنت تجعل إنتصارك كاملاً.” بالمقارنة مع الأبجديات التي بدأ بها الشهيد محمد عبد العزيز تدريبه للمقاتلين الثوار نجد ان فلسفة معرفة النفس هي تدريب الثوار على الأسلحة المتاحة في حدود المتناول، إلى جانب التعرف على طبيعة الارض و تضاريسها التي عبر عنها سون تزو في مقولته ” إذا عرفت طبيعة السماء و أرض المعركة” ففي تصريح لاحد الثوار أكد على ان فترات التدريب التي كانت تقام في ارض الجزائر شملت الكثير من مسح للاراضي للتعرف على اماكن المياة و طبيعة التضاريس و اماكن تواجد المؤن تحضيرا لحرب كانت وشيكة ، و هو ما ساعد على نجاح المعارك الأولى التي تم تنفيذها في تلك المنطقة، بمساعدة جماعات ثورية اخرى أتت من اماكن عدة.
من زاوية اخرى ظل الشهيد محمد عبد العزيز يواكب التحرك السياسي من داخل الدولة الشقيقة إلى جانب العمل التحضيري للثورة، فقد حاجج الدعاية المغربية التي كانت تعمل من خلال مخابراتها على تشويه سمعة الثوار و قد نجح في ذلك في مؤتمر نظمته جبهة التحرير الجزائرية كما أسلفنا في مسيرة الرجل، و هذا يعد دليلا على ان الفكر الذي كان يحمله الشهيد يمتاز بمزج العمل السياسي و العسكري و هو ما ظل يحمله طوال حياته، و قد صاحب ذلك الفكر على طول الفترات الثلاث التي ميزت سيرته النضالية.
يمكن القول أن هذه المرحلة الأولى من مسيرة الرجل العسكرية قد كللت بالنجاح فبعد عودته من مهمة التدريب وشحه الشهيد الولي هو و المقاتلين المتدربين برتب عسكرية حسب شهادة اوردها محمد عالي مصطفى أحد المتدربين عبر حوار اجراه معه الكاتب الصحراوي مصطفى الكتاب في كتابه (جيش التحرير الشعبي الصحراوي) إذ يقول ” كنت ضمن أول فيلق ذهب للتدريب في الجزائر ، في بداية العام 1975، يقوده محمد عبد العزيز، أما قادة الكتائب فهم: حرمة حيدار، خطرا أبا الشيخ، أنى ولد الموحد ( ميشان)، حين عدنا استقبلنا الولي في مركز انخيلة ووشح الضباط برتب عسكرية، قائد الفيلق محمد ولد خليلي( محمد عبد العزيز) برتبة نقيب، قادة الكتائب رتبة ملازم و نواب الكتائب رتبة مرشح، و بما أنني كنت نائب الكتيبة التي يقودها حرمة ولد حيدار تقلدت رتبة مرشح “
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ص2
2_مرحلة قيادة الناحية العسكرية الاولى على جبهة الشمال
شهادة الشهيد حرطن ازويدة العيمار عن الراحل محمد عبد العزيز
قد لا تختلف هذه المرحلة عن سابقتها من حيث قصر المدة الزمنية التي شكلتها بيد أنها تعتبر من أكثر المراحل الثلاث ابرازا لفسفة الشهيد محمد عبد العزيز العسكرية، و هذا نتيجة لكونها المرحلة التي قاد فيها الرجل الناحية العسكرية الاولى في ساحات القتال و خاض بها العديد من المعارك البطولية التي لازالت ترصع تاريخ نضالنا الوطني.
بغية سبر أغوار فلسفة الشهيد محمد عبد العزيز العسكرية اجرينا مقابلة مع أحد اكثر الرجال مواكبة للراحل و نائبه في قيادة الناحية العسكرية الأولى إبان حرب التحرير إنه المقاتل ، الشهيد حرطن ازويدة العيمار الذي ادلى لفريق جريدة الصحراء الحرة بشهادته الحية عن تجربته العسكرية مع الشهيد محمد عبد العزيز سنستند إليها في هذا الجانب من التحليل.
إذا كانت فلسفة ميكافيلي في كتابه الأمير تقدم النصائح للحاكم بضرورة صناعة هيبته أمام مرؤسيه بخيارين الحب او الخوف و فضل ميكافيلي هذا الأخير في حالة التخير بينهما، فإن الشهيد محمد عبد العزيز حسب شهادة حرطن كان حليما عطوفا و متسامحا بدرجة كبيرة ، حسن المعاملة مع رفقائه، و يشاورهم في كل صغيرة ،،،و إذا نظرنا إلى هذا الأسلوب في القيادة نجد له أثرا في قول جيم روهن” تحدث تحديات القيادة ليصبح القائد قوياً وليمسك بزمام الأمور ، ذا فكر نير ، متواضع ، بسيط يمتلك حس الفكاهة ، يحسن الاصغاء يضيف رفيق دربه حرطن ازويدة العيمار .
التقدم في صفوف المعارك كأسلوب قياديا فريد لدى الشهيد محمد عبد العزيز
كغيره من الثوار الاوائل اتخذ الشهيد محمد عبد العزيز من الإقدام أثناء المعارك أسلوبا لقيادة وحداته في ساحات الوغى، فقد قيل “يجب على القائد أن يكون عملي وواقعي حتى يتحدث عن الرؤى الخاصة به بالقدر الكافي والمفهوم. “إريك هوفر”
و قد تجلت عملية وواقعية الراحل في قيادته للمعارك التي تركزت في قطاع الناحية العسكرية الأولى و الثانية، و خاض في تلك المعارك حربا ضروسا جرح خلالها مرتين الأولى في الساق خلال معركة “عقلة البل” و الثانية في الذراع في معركة “الشعاب” ليكون بذلك مثالا للقائد الذي لا يتخلف عن جنده بل يسايرهم اثناء تنفيذ المعارك.
كتيبة النخبة (الشهداء) لمسة أخرى تنضاف لسجل الرجل العسكري
أورد الشاهد الراحل حرطن العيمار تعليمة مفادها أن القائد محمد عبد العزيز ، هو الذي كان ينظر الى حصيلة القدرة المجتمعة ، و يأخذ بعين الاعتبار المواهب الفردية ، و يستخدم كل رجل حسب قابليته ، و قد اتضح ذلك في الكتيبة التي اعدها الراحل و التي عرفت حسب ما أخبرنا حرطن بكتيبة الشهداء و قد تداول عليها أكثر الرجال شجاعة و استبسالا و مقدرة في فنون القتال والإقدام، و قد استشهد جميع قيادتها ابان حرب التحرير و من بينهم
_ سيدي حيذوق_ محمد بوزيد_ ابراهيم احمد الرقيبي_ سيد احمد احمد دقنى_ سعيد الصغير_ علالي لحسن_ ابراهيم محمد احمد الرقيبي،،عليهم رحمة الله جميعا.
و على سبيل ذكر هذه الكتيبة الفريدة من نوعها في الإقدام و التضحية يروي لنا حرطن في شهادته بأن الراحل كان يتأثر بشدة كبيرة بعد فقدان أي مقاتل في ساحة المعركة فقد كان يعتبر ان راس مال الصحراويين هو العنصر البشري و ان اي فقيد يعد بمثابة اتاحة فرصة لتفوق العدو، لكنه كان دائما يخفي تأثره عن المقاتلين حتى يرفع من معنوياتهم.
فنون إدارة المعركة في شهادة عن الرجل
يروي نائب الشهيد محمد عبد العزيز في الناحية العسكرية الأولى عدة خصائص طبعت أسلوبه في ادارة المعركة و من اهمها
_ القدرة الفائقة على الإستطلاع و تحديد إمكانات و قدرات العدو
_ تهيئة المقاتلين جيدا من حيث الجانب السيكولوجي حيث كان يخبرهم قبل كل معركة انكم تحاربون مقاتلين مثلكم الند للند و لا يجب الإستخفاف بهم،،و لكنه يعود أثناء تنفيذ المعركة و بعدها ليقدم لهم درسا في التشجيع و الرفع للمعنويات بإعطائهم امثلة عن ضعف و جبن العدو و يضرب لهم امثلة في المعارك السابقة التي تفوقوا فيها بعتاد بسيط و عدة لا تقارن بعدة العدو، ما يرفع من معنويات المقاتلين و يلهمهم في الإستبسال و الإقدام اكثر.
_ الإستخفاف و الإستهانة بقدرات العدو كنوع من التشجيع للمقاتلين .
_ ثنائية الشورى في التخطيط مع الحزم في إتخاذ القرارات القاطعة، وقد تحصلنا على مثال حي من الأمثلة التي تدل على ايمان الراحل بفعالية لامركزية القيادة و ضرورة الحزم في اتخاذ القرارات و يتجلى ذلك في اتخاذه لعدة قرارات مباشرة دون اجتماع القادة كتعين الشهيد عمي لمخيليل خلفا للشهيد حمادة على قيادة الناحية العسكرية الرابعة حيث قادها الأول مدة خمسة عشر يوم بينهما حمادة قادها مدة يومين فقط،،و كذلك اسداء أمر بضرورة سحب كل الأليات الثقيلة من ساحة المعركة كونها لا تتواءم و طبيعة حرب العصابات التي كانت الجبهة الشعبية تتخذ منه اسلوبا قيتاليا لها.
_ الإلمام بتفاصيل المعارك و المهمات المسندة لجميع القادة، وقد مدنا حرطن بوزيد ببعض الامثلة أهمها معركة السمارة و القلتة هذه الأخيرة التي سقط صبيحتها 7 طائرات للعدو، كان الشهيد محمد عبد العزيز يشرف عليها و هو امين عام للجبهةحيث كان على إلمام تام بما يجري على الساحة من كل الجبهات( كليتة البل، لمحاجيب، أم غريد،) إضافة إلى ما يجري على مستوى الدفاع الجوي الذي استعملت فيه أخر ترسانة عسكرية، و قد تحطمت تلك الترسانة على يد مقاتلو جيش التحرير
_ عنصر المباغتة في شن المعارك و التموقع خارج الخطر (حدود نيران العدو)
_ كان من الأوائل الذين أسسوا للإدارة و بناء الهياكل البنيوية للتشكيلات العسكرية و ذلك من اجل زيادة احترافية العمر العسكري.
مرحلة المزاوجة بين قيادة الدولة و قيادة الحرب لدى الشهيد محمد عبد العزيز
تعتبر هذه المرحلة من بين أكثر المراحل تسجيلا لفلسفة الشهيد محمد عبد العزيز العسكرية و ذلك لطول فترتها حيث دامت منذ توليه قيادة الجبهة و الدولة بعد استشهاد الشهيد الولي مصطفة السيد في 9 يونيو1976 إلى غاية وقف إطلاق النار 1991،وهذا الامر قد يشكل صعوبة بالنسبة لدارس هذا الفكر العسكري كون أن المقام لن يتسع لتدوين كل الجزئيات و لذلك سنقتصرها على بعض الامثلة و المقتطفات من خطاباته التي يمكن أن تكون ذات دلالة واضحة على ما كان يعتقده الراحل محمد عبد العزيز عسكريا.
ظل الشهيد محمد عبد العزيز يواكب المعارك بنفس الوتيرة و الحماس اللذين رافقاه في قيادة الناحية العسكرية الأولى.خلال الحرب بل وقد أشرف عليها في قيادة القوات المسلحة و ترأس هيئة ادارة العمليات (اللجنة التنفيذية) ” مع العلم أنه كان يؤمن بجماعية القيادة حيث كان يشرك جميع قادة النواحي الخمس آنذاك سواء منهم من كان في اللجنة أم لا”
المتتبع لخطابات الشهيد محمد عبد العزيز يدرك بما لا يدع مجال للشك تبنيه لاستراتيجية كان لابد من إيصال مداها إلى الأصدقاء و الاعداء على حد السواء، و على سبيل ذكر الخطابات نرد هنا مقتطف من خطاب له في 20 ماي 1977م، ” اشتعلت نار معارك التحرير الوطني من جديد ضد الغزو التوسعي الاستعماري الهمجي، تلك المعارك التي قادها رجال من ابطال شعبنا النبلاء، بزعامة قائد ثورتنا الشهيد الولي مصطفى السيد، و التي أوفى مقاتلو جيش التحرير الشعبي الصحراوي فيها بالعهد و مازالوا على الدرب الطويل سائرين” هذا الخطاب الذي يوضح فكرة مواصلة العمل المسلح و التأكيد على طول الدرب فيه.
بعد تقلد الراحل محمد عبد العزيز لقيادة الجبهة ظل يقود العمليات العسكرية على امتداد التراب الوطني بكل تفان و اخلاص ، ولأن فكر الشهيد محمد عبد العزيز كان يحمل في طياته فلسفة عميقة حول تثمين المكتسبات مهما كانت من اجل رفع معنويات المقاتلين و دفعهم لمواصلة حرب التحرير بكل روح قتالية عالية، و هذا الفكر يتضح من خلال خطاباته الثورية إذ يقول في خطابه 27/02/1980م حول نتائج هجوم الشهيد الولي” الهجمة التي انتهت بإبطال مفعول اتفاقيتي مدريد و الدفاع المشترك كما برهنت على عدم جدوائية التدخلات العسكرية الأجنبية ، و أدت إلى خلق ديناميكية سلام في المنطقة، تمخض عنها اتفاق 5 أغشط بالجزائر بين الجمهورية العريية الصحراوية الديمقراطية و الجمهورية الإسلامية الموريتانية”
و هذا الخطاب يوحي إلى ان الفلسفة العسكرية للشهيد محمد عبد العزيز لم تكن قائمة على خوض الحرب من اجل الحرب فقط ولم تك تسير ببوصلة مترنحة بل هي عملية نضال و تحرير واعية بالظروف و العوامل المحيطة تحاول تذليل الصعاب امام عملية التحرير، و تستغل الفرص من اجل تحييد أحد الأعداء المتكالبة و هو بالفعل ما حدث في اتفاق السلام مع موريتانية، حيث مكن الجبهة من تركيز جهودها العسكرية في مكافحة الإحتلال المغربي.
و في الاخير يمكن القول أن من يتجرى على لملمة فلسفة الشهيد محمد عبد العزيز العسكرية إنما يغوص في أعماق بحر لاينضب، يصعب على الباحثين تدوين غيض من فيضه، و نختم هاهنا بمقتطف من خطاب الراحل قد يحوصل جزء من فكره العسكري ” برهنت معارك لمسايل و الطنطان وواد تيشط و انواميس و الخلوة و اخنيفسة و آسا وبير انزران و لبيرات و لنكاب و السمارة و المحبس و ابطيح و بوكراع و الزاك و الحقونية و لمسيد و آفا و بوجدور و آريدال وغيرها من الملاحم التاريخية، برهنت على أنه ليس من السهل القضاء على شعب متثبت بقضيته العادلة له حضارته و قيمه و تاريخه العريق خصوصا إذا كان هذا الشعب مستعد للموت دفاعا عن وجوده و عن تلك الحضارة و القيم وذلك التاريخ،،،و ما تحطيم خرافة الميراج و غنم دبابات س،ك105 المطاردة و المزودة بأشعة الليرز و غنم الصورايخ أرض/أرض الحديثة طاو، و الفلانكة و دراكون، و الميلان الموجهة و غيرها من الأسلحة الفتاكة، إلا دليل على أن التسليح لم يعد مجديا أمام إرادة شعبنا و جيشه البطل”
من خطاب الرئيس محمد عبد العزيز الأمين العام للجبهة القائد الأعلى للقوات المسلحة الصحراوية 27/02/1980